عاود السيد عمار الحكيم رئيس المجلس الأسلامي الأعلى طرح مبادرة جديدة لحل الانسدادات في العملية السياسية والعقد التي تشبك أفقها ، وذلك من خلال الجلوس الى دائرة مستديرة تعطي حق التعبير والمكاشفة والتشخيص والمراجعة والنقد لجميع الكتل والأئتلافات المشاركة في العملية السياسية ، أزاء بعضها ،وصياغة معالجات واقعية لهذه الاشكاليات والعقد والاسئلة التي باتت تمثل تهديدا حقيقيا لسلامة البلاد ، بعد ان عطلت حركة الدولة وعمقت المزيد من الأزمات والمشكلات الاقتصادية والاجتماعية والامنية والاخلاقية مما يجعل السكوت عنها مشاركة بهذا الغاطس من الفساد السياسي والاداري لرأس الدولة العراقية وهرمها السياسي .
اذكر قبل عام من الآن تقدم السيد عمار الحكيم بمبادرة لحل أزمة تأخير تشكيل الحكومة عبر دعوته الى ان تهبط التشاحنات والتهديدات والتشنجات من فضاء الاعلام الى التحاور الموضوعي والجلوس على طاولة مستديرة لجميع الفرقاء والتحاور استنادا الى الدستور والمصالح الوطنية العليا التي ينبغي ان تضعف امامها المنافع الشخصية والحزبية الضيقة ، ولو استجاب السياسيون انذاك لدعوة السيد عمار وتمت تصفية النوايا بحسب دعوة الحكيم لما جاءت حكومة ضعيفة مترهلة متخالفة اكثر مما هي متوافقة ، ولاصبح منهج المحاصصة جزءا من الذاكرة السياسية وليس تكريسا لخرق الدستور وتعميم سلوكيات العزل والاقصاء والتهميش التي انتهت الى تصاعد المطاليب بالانفصال عن الحكومة المركزية جراء المشكلات المتزايدة سواءا داخل العملية السياسية ام الكابينة الحكومية ام في العلاقة بين المحافظات وحكومة بغداد ، وهو ماجعل عربة التقدم متوقفة والبلاد تتوارى خلف تراكم وتداخل الازمات الداخلية والخارجية .
خلال عام مضى كنت أراقب النشاط السياسي للسيد عمار الحكيم وتفاعله اليومي مع الحدث العراقي وتطورات الأزمة التي تمر بها البلاد ورصده الاسبوعي المنهجي لما يمور به البحر العراقي من تلاطم الامواج السياسية وغيرها ، فكان الحكيم يتصدى بتأهيل وطني عال المستوى لدرجة الذكاء والفطنة السياسية في سبر اغوار المشكلة القائمة واقتراح الحلول التي تضع العلاجات التامة للملفات العالقة ، محط الخلاف او الأزمة ،لكني كنت أرصد أيضا غياب الانفتاح من قبل الأروقة والمكاتب السياسية البرلمانية او الحكومية في استقبال مبادرات الحكيم وتسويقها اعلاميا وأجرائيا ، وتلك مسؤولية الكتل السياسية جميعا .
الرؤية النقدية الصادقة والجريئة التي يتبناها الحكيم في اغلب طروحاته تنطوي في عمقها الاستراتيجي على حرص بأدامة النجاح وتثبيت دعائم الاستقرار السياسي عبر انشاء الحلول وقواعد الحوار الدائم الذي ينبغي ان يكون من متبنيات العملية السياسية بنحو مستمر يقوم على النقد ومكاشفة الآخر بالاخطاء ووضع المعالجات الناجعة ، وتلك هي واحد من عوامل القوة في النظام السياسي الديمقراطي بل هي جوهر الديالكتيك الذي يعطي للعملية السياسية توهج وحراك دائمين واستثمار نوعي للطاقات الوطنية التي تتحاور وتتقاطع وتلتقي في أطار المصلحة الوطنية وتجاوز العقد او الأزمات وانتاج الحلول المقنعة والواقعية .
البلاد ستكون بمواجهة مصيرها عقب الانسحاب الاميركي بنهاية الشهر المقبل، والأزمات الاقليمية تتفاقم على نحو يبعث الخوف والقلق من اشتعال المحيط الاقليمي العراقي بنيران حروب متنوعة ، بمعنى ثمة تحديات وجودية للعراق بالغة الخطورة والأهمية ، ومن هنا أجد في دعوة الاخ الحكيم الفرقاء السياسيين الى طاولة مستديرة ، ومناقشة مبادرته ، أنتباهة زمنية مهمة لترتيب الداخل العراقي وتنظيم اصطفافه الوطني الداخلي لمواجهة الخارج بل معالجة الخلافات الداخلية وتأجيل البحث فيها كي لاتوظف في النزاعات المتصاعدة بين دول الجوار العراقي بأهداف طائفية او عنصرية او صراع القوى والهيمنة والاستقطاب .لكن هل تستثمر هذه الدعوة من قبل الفرقاء السياسيين ، وهل يبادر الائتلاف الوطني الموحد لتبني الدعوة وانجاحها ، هذا السؤال اجو ان لايذهب ادراج الريح كما دعوة السيد الحكيم .