لم نخسر اموالنا في الفساد فقط ، فذلك يمكن ان يُعوض في يوم ما عندما تنتهي هذه القصص المملة المحزنة لتكرارها ، ويوضع حد لها … ولكن كانت هناك انعكاسات إجتماعية سلبية كبيرة لهذه ( المفردة العجيبة ) وهي أهم من المادة ، ينبغي الالتفات لخطورتها ، ليس على ( الكبار ) فقط ، بل على ( الصغار ) أولاً – بناة وحماة المستقبل – عندما يكونون مضطرين رغما عنهم لسماعها ، اينما اتجهت أبصارهم ، وتحركت اصابعهم مع ( الريموت كونترول ) ، بدل أن يروا ما ينفعهم في تنشئتهم الصحيحة ، وبناء شخصياتهم السليمة ، والاقتداء بما يشاهدونه من نماذج ايجابية ومفردات سلوك وبرامج عمل ، تُنقش في الذاكرة ، ويكون لها أثرها الايجابي عليهم في المستقبل ..
فمتى تنتهي هذه المفردة السقيمة ..؟!..
وربما يكون من المفيد أن تأخذ القنوات التلفزيونية خطورة هذا الامر في الاعتبار ، وتنصح العوائل بان تبعد اطفالها عن نشرات الاخبار ، فهي لا تعنيهم ، فليس فيها غير أخبار الانفجارات والارهاب بكل مسمياته ، ولم يسلم منها حتى الاطفال الرضع ، واخبار مسلسل الفساد ، والفضائح ، والسرقات والمناكفات والخلافات التي تصل عند البعض الى حد الشتائم والمشادات الكلامية ، وبالايدي احيانا والتصرفات غير المناسبة ، والفوضى وعدم الانضباط عندما تتحول جلسة مجلس النواب – وهو المسؤول عن التشريع والرقابة – الى ( هرج مرج ) دون مراعاة للضوابط وتقاذف بالاتهامات …هذا يتهم ذاك ، و( أخر ) احيل الى القضاء ، وثالت الى النزاهة ، ورابع وخامس .. وهؤلاء خالفوا القانون ، واولئك استغلوا مناصبهم لاغراض شخصية ، وغيرهم أثروا على حساب المال العام …
ماذا يستفيد الطفل والفتى والشاب من هذه الاخبار ، وماذا يتعلم من قصص الفساد ، وما هي انعكاساتها عليه عندما يقارنها بما تعلمه من دروس تربوية في المدرسة …وكيف سينظر الى الدولة عندما يكبر ، وهو يرى أمام عينيه ، ويسمع على لسان مسؤولين اتهامات ببيع الوظائف ، وقبلها الوزارات .. وكيف أسقط الفساد هيبتها ، وفقد المنصب قيمته الاعتبارية في نظره ، واختلطت الالوان ، وتقاطعت الخطوط ، وتشابكت الخيوط ، وانعدمت الثقة ، وضاعت الحقيقة ، وهي ضالة المتلقي ، وتساوى الصالح والطالح … فلم يعد يعرف من هو الفاسد ، ومن هو النزيه ، ومن هو المخلص للوطن ، ومن هو عكسه ، ومن هو الكفوء ومن هو غير الكفوء …واختلت عنده المقاييس .. فكيف له ان يفرق بين الامانة والخيانة ، وبين البناء والتهديم ، والانضباط والفوضى ، والعقاب والثواب ..؟!
رحمة بهؤلاء الصغار …حلوا هذا البرلمان رجاء …
فاذا كان الكبار يقولون انهم لم يحصلوا من ( ممثليهم ) في هذه الدورة البرلمانية على ما يعادل قيمة أصواتهم … فهل تعلم الصغار شيئا مهما مما عرض امامهم في الجلسات من خلافات ، ومناكفات و( تعاير) بالفساد والارهاب وعدم الالتزام بالنظام ، والتباري بالتسقيط ، والاتهام بسرقة المال العام … ؟.
الجواب واضج …