السياسة لا دين لها! خصوصا لو تشبعت بالفساد، والابتزاز والمساومات، تخضع حينها لقاعدة (طمطملي واطمطملك) لتمرير الصفقات والعقود والاستثمارات، تحت الضغط بفضح المستور والتشهير، عمولات و”كومشنات” ونسبة وتقاسم غنائم، كلها واقع نعيشه، في أبسط الدوائر الحكومية، فكيف بمنظومة كبيرة مثل البرلمان، فحتما سيكون أوسع وأكبر وأعلى مرتبة.
أكثر من عشرين وزارة عراقية، حصل فيها ما حصل مع وزير الدفاع خالد العبيدي، من طلبات تعين و(كومشنات) وغيرها من مصادق الفساد المستشري، في دماء كثير من موظفي الدولة، من نائب في البرلمان، إلى فراش في مدرسة ابتدائية، على ضفاف نهر في منطقة نائية.
لماذا وزير الدفاع؟ ولمرتين في دورة واحدة؟ من هم وراء هذا الاستجواب؟ وهل كان استجواب مهني أم سياسي؟ وهل باقي الوزارات نزيهة ؟ ولا توجد عليها شبهات فساد؟ المتابع لعمليات الاستجواب، سيجد هناك أتجاه واحد مقصود داخل مجلس النواب، وهناك جهة تحرك هذه القضايا، بما يخدم مصلحتها.أنشقاق دولة القانون، جناح العبادي وجناح المالكي، يقابله أنشقاقات وخلافات بين الحزب الإسلامي بقيادة سليم الجبوري ومتحدون بقيادة أسامة النجيفي التي ينحدر منها وزير الدفاع.. وتصادم الفرقاء المتخاصمين بأساليب تسقيطية، أتاح للمالكي اللعب على هذا الوتر، لو نرجع قليلا لدولة القانون، المنضوية تحت ما يسمى بجبهة الإصلاح، يستخدمون النساء دوما؛ في عملية الاستجواب( إذا ردت تهين خيّر دزله إمرأة) في البداية حنان الفتلاوي، واليوم عالية نصيف، لما يملكنه من لسان لاذع في الرد وتسقيط.
بعد قبول أستقالة وزير الداخلية التابع لكتلة بدر المنضوية تحت عباءة دولة القانون جناح المالكي؛ الأخير أستشاط غضبا، وأخذ يبحث عن ضربة موجعة لحكومة العبادي وجناحه، فأبتدع أستجواب وزير الدفاع لإيقاع العبادي وإفشال حكومته.
دهاء العبادي ومعرفته السابقة بالمالكي وأساليبه المتبعة، كشفت تلك الألاعيب القذرة، التي تحرق الأخضر واليابس.. باتفاق وزير الدفاع مع العبادي وأستشارة قادة بعض الكتل، أقدم وزير الدفاع على إفشال هذا الاستجواب، وفضح خصومه السياسيين، المتحالفين مع جناح المالكي.
ضرب عصفورين بحجر واحد، أفشل الاستجواب، وتخلص من خصم سياسي منافس له على الساحة السنية، في أجواء مساعدة جماهيرياً، تحت لافتة الإصلاح ، ومحاربة الفساد والمفسدين، أنتقل وزير الدفاع، إلى مرحلة جديد من عمره السياسي، وهي مناغمة الشارع الشيعي، الناقم على سياسييه، حيث زار الإمام الكاظم(عليه السلام) وكربلاء المقدسة، ليوصل رسالة إلى خصومه من الجناح المالكي وجبهة الإصلاح، إني قد دخلت أرضكم وأصبحت أّكل من جمهوركم.
رسائل عديدة وخفايا كثيرة، ستفصح عنها الأيام القادمة، لتكشف المستور، وتزيل الغموض، وما خفي كان أعظم، والشعب يستنجد في هذا البحر المتلاطم من الفساد والمفسدين، والإرهاب والفقر وأنعدام الخدمات، ورغم كل ذلك يعود العراقيون ليرددوا (علي وياك علي؟!) و(بالروح بالدم نفديك يا هو الجان؟!).