لا تكاد ان تخلو نشرات الاخبار، وتصريحات المسؤولين، وكذلك منشورات المواطنين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، من التطرق إلى الفساد واسبابه وكيفية التخلص منه، فكثرت الاحاديث والتفسيرات ومقترحات الحلول، والعراق ما زال يعاني من هذه الآفة في معظم مؤسسات الدولة.
ما لاحظته من خلال قراءة لبعض الملفات التي طرحت امام الجهات التحقيقية أن للفساد صورة مختلفة عمّا يسلّط الضوء عليه من قبل بعض وسائل الاعلام والمتابعين.
محكمة النزاهة في بغداد على سبيل المثال سجّلت نحو 70 قضية خلال العام الحالي تتشابه في ما بينها، بذات الوسيلة والطريقة، لكّن هذا العدد يعني وجود حالات أخرى أكثر لم يتم كشفها حتى الان.
منذ أن تم استحداثها بعد العام 2003، لم تزل مكاتب المتفتشين العموميين دون المستوى المطلوب، ولطالما طالب المتخصصّون، بل ومسؤولون كبار عن متابعة الجرائم المالية بالغائها هذا لن يحصل بطبيعة الحال دون تشريع يتم سنّه داخل مجلس النواب.
وبالعودة على ما تم كشفه مؤخراً، هي خروق مالية كبيرة تخص العقود الحكومية، والمتورط فيها بالدرجة هي لجان الفحص والتعاقد.
العملية بسيطة للغاية، لجنة تتفاوض مع شركة مسؤولة عن تجهيز مواد معينة لمؤسسات الدولة وتتم الصفقة بمبالغ خيالية تفوق اضعاف السعر الحقيقي، أما المبالغ التي تزيد عن السعر الحقيقي تتحول إلى رشى تتوزع بين المشتركين في هذه الصفقة.
وخير مثال على ذلك، ما حصل في صفقة ما يسمى بـ “اجهزة كشف المتفجرات”، التي اشتراها العراق بما يعادل 45 مليون دينار للجهاز الواحد، في حين أن تقرير لجنة رسمية ذهبت إلى خارج البلاد لتقصي الوقائع بين أن قيمته هي 20 الف دينار فقط أو ما دون ذلك.
هذا الملف تم تحريكه قضائياً، وتعرضت اللجان التي اشترت الاجهزة إلى المحاسبة وصدرت بحق اعضائها احكام مختلفة، علماً أن اخرين تم اتهامهم يتمتعون حالياً بحصانة السلطة التشريعية كونهم نواباً ولا يمكن مقاضاتهم من دون رفعها حيث ارسل مجلس القضاء الاعلى كتاباً بذلك منذ مدة ولم يأت الرد.
وينبغي التذكير مرة اخرى، بأن العقد الذي يبرم بين مؤسسة الدولة والشركة عن تجهيز مواد باثمان مبالغ فيها صحيح من الناحية القانونية، وبالتالي لا توجد مسؤولية على الطرف البائع؛ لأن هدفه الربح، والمسؤولية تكون فقط على المشتري.
وقد يطرح سؤال، كيف يتم رصد هذه الجرائم، والجواب يأتي بأن مكاتب المفتشين العموميين وضعت لهذا الغرض، لكن اقحام اغلبها في ملف التوازنات السياسية حالت دون قيامها بواجباتها.
ولا يكون لنا في هذه الحالة الا الاخبار عن الجريمة من قبل اي شخص يعلم بوقوعها وفي مقدمتهم الموظف؛ لأن الجريمة شأن وطني مسؤول عنها الجميع.
لعل الحل العملي الذي بموجبه يمكن معالجة فساد العقود، هو مشاركة وزارة التخطيط، بوضع اسعار ومواصفات للمواد الرئيسية التي تحتاجها مؤسسات الدولة لكي يتم الالتزام بها من قبل لجان التفاوض والفحص على أن تحفظ للمقاول هامشاً من الربح وفق ما موجود في الاسواق لكي تتم العملية بنحو قانوني.
أما عن المواد المهمة التي لا يمكن حصرها في لائحة واحدة، فتصدر تعليمات حكومية بان تستعين المؤسسة بوزارة التخطيط ايضاً لبيان الكلف التخمينية لها طبقاً للاسعار السائدة في الاسواق.