ترك العراقيون متابعة أخبارهموم الكهرباء و المياه الصالحة للشرب و معضلة الأمن لينشغلوا بالسجال البرلماني و القضائي المتعلق باتهامات الفساد ” رفيعة المستوى” بانتظار معرفة ” رأس الشليلة” على أمل الوصول الى تركيبة خيوط أسوء تهمة و أخطر عملية نصب حكومي منذ 13 سنة، حيث يوظف السياسيون هذا الملف للتصفية و الابتزاز السياسي و تمرير الصفقات المالية التي حولت العراق الى بلد لا يستطيع حماية سفاراته من البيع في المزاد العلني أو غرق أبنائه في البحار بحثا عن ملاذ آمن، بينما يتنعم سياسيون بـ” وطن بديل أسمه المنطقة الخضراء”، مقابل انقلاب معادلة القيم بشكل مؤلم، حيث العمالة اصبحت حكمة و ذكاء و الرشوة وجاهة اجتماعية أسمها ” الدفع اليابس” أي العد نقدا لا بعقود مؤجلة!!
ويشعر العراقيون بغربة قاتلة في بلادهم فالفساد موزع على جميع الكتل و العناوين السياسية و الأمنية و الاجتماعية و مع ذلك تعج شوارع بغداد بالمتسولين و سيارات التاكسي و الاهمال بكل أشكاله، بينما تقطع السيارات المدرعة المسرعة و البيوت الفارهة حاجز الصمت و الأنين في أول تواصل بين الشعب و مسؤوليه، الذين لا يراهم الا عبر شاشات التلفزة، لذلك يتابعون بأهتمام كبير أي خبر متعلق بصفقات النهب العام، حيث يبذلون جهدا كبيرا في ظرف شاق للحصول على لقمة عيش كريمة بعرق جبين لا ينحني لغير الله، بينما يحفظون عن ظهر قلب قائمة طويلة باسماء و عائدية الصفقات المشبوهة و مبالغ بيع المناصب و جدلية الفساد و الآمن ودموع التماسيح على المال العام.
و يوضح هذا سر انشغال العراقيين منذ اسبوع تقريبا بالاتهامات المتبادلة و السجال السياسي الذي أفرزته اتهامات وزير الدفاع للسلطة التشريعية بملفات فساد و ” ابتزاز سياسي” تختلف وجهات النظر بشأن توقيتاته و الجهة المستهدفة و نتائج هذه المعركة الخاسرة مهما كانت النتائج لأنها أظهرت عدم وجود تحالفات حقيقية بل مزاجيات شخصية و أن ” أعمدة البيت التشريعي و التنفيذي” غير راسخة الجذور في حرمة المال العام وثالثا أن القيمة الاعتبارية للمنصب و سيادة قراراته باتت من الماضي، ما يعني انهيار هيبة الحكومة و القرار الرسمي بتوقيتات سياسية و أمنية و اقتصادية غير مسبوقة.
وفي هذا السياق يقول مسؤول حكومي رفيع المستوى ان الفساد موزع على كل الوزارات بمعرفة الجميع بدليل اللجان الاقتصادية التي تغض الحكومة و النواب الطرف عن ” الآتاوات” التي تقدمها للأحزاب التي تتبع لها هذه الوزارة أو تلك، مضيفا أن معركة وزير الدفاع ضد البرلمان ستحرك مياها آسنة و تطيح بأسماء ” متوارثة” لن تكون من طيف واحد فصفقات
الفساد موزعة بتفاصيل دقيقة لكنها ستنقلب رأسا على عقب كحجر الدومينو، اذا رفضت المؤسسة القضائية الضغوط و أنتصرت لحرمة المال العام .
وضمن معادلة تقبل كل التأويلات و الالغام فانه ينبغي التركيز على أهمية المحافظة على سرية التحقيقات مقابل رفض توجيه الاتهامات لهذا الطرف أو ذاك ضمن مبدأ ” المتهم بريء حتى تثبت ادانته” سيما و أن سمعة الأشخاص ليست ميدانا للمضاربة السياسية و التسقيط الشخصي خارج سلطة القانون، كما أن توجيه الأنظار نحو فساد مفصل على طائفة دون غيرها يعد تجاوزا للمنطق و العقلانية لأن خيوط الصفقات متداخلة كما أن المعلن من مواقف ” عدائية” في العلن لا علاقة لها بـ” الشراكة الكبيرة بالباطن”، فلا طائفية في الفساد المالي لكنها حاضرة بقوة لترهيب المواطن، لذلك ينشغل الأخير بـ” واقعة البرلمان” للتعرف على السياسيين الحانثين باليمين ليكون الفساد المظلة الوحيدة الجامعة للطائفية و العرقية و الاقليات الصغيرة.. نعم الفساد فتنة فاحذروها لأنه نيرانها لا تفرق بين الصديق و الغريب ما يؤكد الحاجة الملحة لعقلاء يقولون الحقيقة في الظرف الأصعب كقادة لا تابعين لآهوائهم و ضغوط ” كبار القوم الى حين”، وبما يمنع تحويل العراق الى وطن بديل لـ” أغنياء الوقت الضائع”.