مما لاشك فيه ان الامم تتقدم وتزدهر من خلال تقدم وتطور التعليم فيها , وعندما خسرت دول كبرى حروبها الكبيرة واستسلمت لاعدائها , فانها اول عمل قامت به هو اعادة بناء مؤوسسات التعليم واعطت الأولويه لمعلمي المدارس ومربي الاجيال , ودولة مثل اليابان ما كانت لتصل لمكانتها لولا انها وفرت كل مستلزمات البنى التحتية واساليب التعليم المتطورة وانفقت كل الاموال المطلوبة للبحث العلمي ووفرت كل شئ لطلابها واساتذتهم حتى صار راتب المعلم اعلى من راتب الوزير, لتضرب مثلا في الاهتمام والرعاية بهذا الركن الاهم من مقومات اي حضارة ومدنية .
ونحن نعرف ما مر به العراق من حروب وكوارث وازمات مستمرة القت بظلالها على واقع التعليم العالي وكلفته ثمنا باهضا فتأخرنا بعشرات السنين عن التطور الهائل في العالم المتقدم وكان المفروض ان نلتمس نفس خطوات اليابان والمانيا بعد الحرب العالمية الثانية في اعادة عملية التعليم بأسرع وتيرة وتوفير كل الفرص امام الجميع ولكن ما حدث على الارض لا يمت الى الواقع بصلة ابدا؟ . حيث العشوائية والتخبط وعدم التخطيط والارتباك والتحزب وتسييس الجامعات وعدم توفير مستلزمات البحث العلمي الرصين وضعف التخصيصات المادية وعدم استقرار الوضع الامني والسياسي , واختيار قيادات غير مناسبة لقيادة العملية التعليمية في الجامعات والمعاهد كلها ادت الى ظهور خلل وضعف مزمنين في واقع التعليم العالي وغيرها من الاسباب الكثيرة . ولقد اشرت مراكز بحثية عدة مواطن الخلل في سياسة التعليم العالي ووضعت النقاط على الحروف واشارت الى الحلول ابتداء من توفير التدريب العالي للكوادر التدريسية وجذب الكفاءات التعليمية واعطاء الاستقلالية للجامعات وعدم رهنها بسياسة حزب الوزير وفصل الجامعات عن اى عمل لا يمت للتعليم بصلة وانتهاء بجعل متوسط الانفاق على البحث العلمى بمعدل 3% من الناتج المحلي , والاهم من هذا كله جعل الجامعات مراكزا علمية بحثية رصينة لا منابرا للخطابات والشعارات الطائفية والحزبية وابعاد الجامعة عن اي نشاطات مشبوهة . ان الجامعات في العالم المتقدم صارت مسؤولة عن رسم سياسات البلد المختلفة في الاقتصاد والسياسة والعلوم المختلفة ولم تعد مقتصرة على التعليم والبحث وصارت الدول تخصص مبالغ ضخمة من مجمل انفاقها القومي للبحوث العلمية , وصارت مراكز البحوث الجامعية هي المسؤولة عن تطوير البلد وادارة دفة التطور فيه . بينما في بلداننا تمنح المراكز القيادية في التعليم العالي ضمن محاصصة مقيتة بين احزاب السلطة , بل والطامة الكبرى حينما صارت وزارات بعينها من حصة هذا الحزب او تلك الطائفة , والمصيبة ان الكل يعلم ويجامل على حساب مستقبل البلد وتطوره ؟؟
وانا اسرد هذه المقدمة , خطر في بالى تلك المرتين اللتين جمعتني باثنين من رؤوساء الجامعات العراقية , كنت متأملا انني سأكون أمام ناس همهم الاول تطوير التعليم الجامعي وفتح مراكز بحثية متقدمة , الاول استشاط غضبا حينما نشرت مقالة اشرت الى جامعته التي لم تحصل على اي تقييم دولي بين الجامعات العراقية والعربية , بل انها لم تذكر اصلا بين الجامعات ؟ وبينت له كيفية الحصول على مركز متقدم في التصنيف الدولي للجامعات وكيفية الارتقاء بالمستوى العلمي لجامعته , حينها انقلب وجه الرجل وتغيرت تضاريس وجهه, وصار يحدثني عن قوته وجبروته وعلاقاته المتشعبة مع الاحزاب وأنه الخارق الماحق في تهديد واضح ورخيص
ومكشوف لشخصي الكريم ؟؟؟ وسألت نفسي : انا امام رئيس جامعة ام امام مصارع ثيران ؟ كنت متصورا انه سيطير بي فرحا وانا احمل له افكارا لتطوير الجامعة ورفع مستواها العلمي , لكنني في النهاية وجدت مشاريعي في سلة المهملات؟ غير أن عزائي في السيد المعاون العلمي الذي ربت على كتفي واعطاني قطعة شوكلاتة فاخرة وشكرني ورافقني حتى باب الخروج ؟
بعد سنوات التقاني رئيس جامعة اخر بطلب منه وكعادتي توقعت اننى امام قامة علمية همها الاول والاخير تقدم العملية التعليمية وتطوير البحث العلمي , رحب الرجل كثيرا بي ثم قال انه كان يتمنى رؤيتي قبل هذا الوقت ؟ كنت متوقعا انه قد سمع بذات المشاريع التي رماها سلفه في سلة المهملات وانه اراد تطبيقها في جامعته , لكنه كان يفكر بعيدا عما افكر انا فيه؟ فقد طلب مني شيئا اخر وهوعدم الكتابة عنه في مواقع التواصل الاجتماعي , رغم انه لم يخطر في بالي ولم اتناوله يوما بأي موضوع ؟ واشار انه لا يحب احدا ان يشوش عليه وعلى عمله ؟ وتبين انه يشك ان كل ما يكتب عنه بأسماء صريحة او وهمية مصدره انا ؟ وبدا امامي خائفا مرعوبا من فكرة تناوله بالنقد في مواقع التواصل , وللتغطيه على الموضوع ادعى انه معجب بمشروعي لانشاء مركز بحثي لكنه والحق اقول , لم يفعل كما فعل سلفه الذي رمى بمشروعي في القمامة ؟ بل اكتفى بعدم الرد على مكالماتي ورسائلي لاستلام الملف وهنا ايقنت انه غير مهتم بالمرة بالبحوث والمشاريع وانه فقط كان يريد من كل هذا , ان اكف عن الكتابة عنه كما يتصور؟؟ وهنا ادركت لم لا يتطور التعليم في العراق ؟ فاذا كان قمة الهرم لا يريد سماع النقد ولا يقبل النصيحة ولا يفكر ولو لمرة واحدة ان يلتقي كادر الاساتذة لبحث مشاكل البحوث ولا يريد سماع غير من شلة التطبيل والتزمير وما اكثرهم ؟ ولا يلتقي الا بمن يمجده وينافقه ويجامله ؟ كيف يتطور التعليم ونحن لانصرف فلسا واحدا على البحوث ويضطر الطالب الى الاستدانة لأكمال مشروع بحثه؟ كيف يتطور التعليم ونحن لا ننصف اساتذتنا ونوفر لهم ما يجعلهم يتفرغون لاداء رسالتهم بل ويخرج علينا يوميا من يتلاعب برواتبهم ومخصصاتهم ليعوض تقشف الدوله ؟ كيف نريد بلدنا ان يتطور ونحن نضع على قمة الهرم من هو ولائه لذاك الحزب او تلك الطائفة في حين نحارب الكفاءات , بل وندفعه الى الهجرة والهروب ؟ سيبقى بلدنا يعاني طالما هناك من يعتبر الرأي الاخر كفرا وحراما يجب محاربته , سنبقى نعاني لأن حلولنا جزئية ونعمل بالوكالة فالوزير وكالة وقد يكون وزيرا لأكثر من وزارتين؟ ورئيس الجامعة وكالة وقد يكون رئيسا لجامعتين ؟ والعميد وكالة ورئيس القسم وكالة ؟؟ ياسادتي : الجامعات بنيت للعلم والبناء والتطور لا حصة وزارية من نصيب ذاك الحزب او هذه الطائفة وتلك طامة كبرى ان استمرت ؟؟؟