خلقت لدينا “داعش” ردة فعل تجلت بنمط حضاري من العمل الأمني.. راهنا ومستقبلا.. نشأ في العراق، وأعني بـ “العمل الأمني” ليس الحس البوليسي فقط، وإن كان “الحس البوليسي” على رأس قائمة المصدات، التي تترتب بعدها الجوانب لاحقة الذكر التي سترد في موضوعي هذا.
فالعرب تقول: “لا تحدث جائعا ولا خائفا” لذلك يجب ضمان هدوء أعصاب المتلقي، وإكتفائه المعيشي، كي يصغي لك، والامر يشمل “الشغيلة” حين تكلفهم بعمل ما، ومن ضمنهم الوظائف الحاكمة.. الطب والهندسة والقضاء وما إليها من شؤون نخبوية، تتطلب شهادات عليا وأداء إستثنائي؛ ترتبط به صيرورة حياة المجتمع.
المصدات الأمنية التالية، التي أيقظتها تجربة العراق ضد عصابات “داعش” المجرمة، إضافة لـ “البوليس” هي تدعيم أمن الاركان المهنية الأخرى، في ميادين الحياة كافة؛ من إقتصاد وقانون وطب وتعليم وشؤون الشباب والطفولة والمرأة… الى آخره، ويدرك المجتمع أهمية ذلك، عندما يعرف عمق دهاء “داعش” بفرضها درسا في التربية الاولية.. إبتدائي متوسط إعدادي.. بعنوان “المنهج الجهادي” على مدارس الموصل، سينمو مع الاعمار الغضة، التي تلقته، مغلفا بالولاء للرب، كمن يدس السم في العسل، ويتحول الى حلم مؤجل.. او جرثومة كامنة، بعد إكتمال تحرير “الموصل” إن شاء الله.
حينها ستظل تلك القناعات، موضع تداول بين الفتى اليافع ونفسه، وربما بينه وأقرانه، وقد تتصاعد ليواجه المجتمع بها، متحديا الوطن.
هنا يقفز المصطلح التجاري، الذي يصح تطبيقه على المجتمع، في حالة ملتبسة كهذه: “خدمات ما بعد البيع” إذ ثمة إشتراطات ملزمة للجهات الثقافية والاجتماعية والمهنية والحكومية، تفرض عليها إزاحة آثر “داعش” المتخلف عن وجوده في الموصل، طيلة سنتين…
ولأنني طبيب نقابي، أقف عند الجانب المهني، من محاولة محو القناعات الخاطئة التي تترسب لدى جيل ممن درسوا في الصف “منهجا جهاديا” وتلقوه تطبيقيا، في الشارع “الداعشي” بين أقيية الموصل وفضاءاتها، من 2014 لغاية 2016 إن شاء الله، مطروحا بأساليب تعليمية، غاية في الإتقان الأدائي، بتخطيط وتوجيه وتنفيذ من خبراء تربويين دهاة، كرسوا أعمارهم للوي الحقائق وتجميل التشوهات المقحمة على البديهيات وإضفاء مصداقية على الباطل، تجعله أبلغ نفاذا الى وعي الشباب، من الحق!
مهنة الطب، تعد أولى خطوط الصد، في المعركة ضد “داعش” ميدانيا ومعرفيا، فالطبيب ينتظم ضمن وحدة ميدان طبية، تتجاوز الجبهة، وصولا الى الارض الحرام.. يعني في أرض العدو، وبين يديه.. تقريبا.. هذا على صعيد السَوق القتالي، أما على صعيد مواجهة الافكار الإنتحارية، التي غرس “داعش” بذورها في عقول الشباب الخصبة، وستظل تنمو، حتى بعد هزيمته الناجزة بعون الله، فتلك مهمة ينبغي على نقابة الاطباء ووزارات الصحة والتربية والثقافة والشباب، أن تنشئ غرفة عمليات.. او مديرية عامة تابعة لأمانة مجلس الوزراء، تضم أطباء نفسيين وعضويين وخبراء تربويين وإجتماعيين، للسيطرة على ردود فعل الشباب الذين تشبعوا بـ “المنهج الجهادي” في المدارس.. وشغفوا بترددات صداه في الجوامع وشربوا خابط طروحاته، على أنها ماءً زلالاً بحكم توظيف عقول تربوية خبيرة، في بناء هذا المنهج الهدام، جعلته أبهى صورة للإيمان، في نظر الشباب.. بينما الله ورسوله براء مما تأفك “داعش” بإسم الإسلام.
غرفة العمليات النقابية، التي أقترحها على أمانة مجلس الوزراء، في الموصل وعموم المدن والانطقة التي دنسها “داعش” تتحدد بالاساليب العلمية الرفيعة، في دحض تخرصات “داعش” التي بنت منهجا باطلا.. لكنه مقنع؛ لأنه مؤسس على ثوابت إسلامية صحيحة، أخضعتها للحكمة المعروفة: “كلمة حق يراد بها باطل”.
ممكن ان أتفاءل بـ “غرفة عمليات مواجهة داعش” متوسعا الى إشراك جهات داعمة وأخرى ساندة وثالثة تخطيطية ورابعة تنفيذية وخامسة رقابية وسادسة بحثية.. تعمل على التغذية المرتدة، من خلال مجسات قياس النتائج المتحققة، يسهم بها الجهد الرسمي الى جانب الحراك المدني.. محليا وعالميا، لأن هؤلاء الشباب، ربما يضمرون “المنهج الجهادي” في نفوسهم ليطلقوه من خلال تشكيلات قد تنشأ مستقبلا.. داخل وخارج الموصل وقد تتسرب الى دول أخرى! ما يعني الحاجة الملحة للقضاء على الوباء بأسرع وأدق الطرق الناجعة؛ كي لا يجد العراق نفسه بمواجهة أبنائه، بعد إنتفاء المعركة ضد “داعش” ربما آجلا.. لكنها حتمية إن لم نتلافها فور الإجهاز على الإرهاب، وغياب ما يغذي تلك الأفكار وتنفضح إلتفافات الباطل على الحق.. علينا أن “نتحزم للواوي بحزام الأسد – وقد يأمن الخوف من فزع”