لم ينسَ وطنيته في بلد أخر، عاش متنقلاً بين أهوار الجنوب المعارض لنظام الطاغية المقبور، وبين أن ينفذ توجيهات قائده السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) فقد وجد فيه قيم الشجاعة والإباء الحسيني منذ صباه، عاش أجواء القمع والمقاومة والتهجير والجهاد، وأدرك جيداً أن دينه المحمدي هو الذي سيتنصر، لأن الدعي إبن الدعية، قد ركز بين أثنتين، بين السلة والذلة، ولأننا حسينيون فهيهات منا الذلة، وهذه إحدى ميزات الشهيد صالح البخاتي، التي أحبها فيه زعيمه الروحي السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره).
المطلوب في العمل الجهادي تعداد وجداني، لإبراز ما تحلى به القادة العظام، الذين سجلوا أسماءهم في سفر الشهادة، وإلا ما الذي جعل هذا الشاب ألعماري، ينخرط في درب مقارعة النظام البعثي، رغم قسوة الأيام التي عاشها العراقيون خلال حياتهم، فالموت البعثي الأسود يطاردهم في كل حين، لكنه الولاء والثبات والإيمان بعقيدة نوعية صادقة، جعلته عاشقاً للسير على خطى سيد شباب أهل الجنة، إنها العقيدة الحسينية التي ترى في خلودها سراً لإنتصار ملحمي وأزلي، رغم أن الدماء روت أرض كربلاء، وهو أحد الذين يرى أن دماءهم لا تمثل شيئاً أمام عظمة ما قدمه الإمام الحسين (عليه السلام) من أجل الدين، والإصلاح ومحاربة الفساد والوقوف بوجه الطاغية.
أن تبكي من أجل الشهادة فذلك يعني أن عشقك للباريء (عز وجل) طفح كيله، ولابد من الوفاء بالعهد، فالطاقة المتجددة والإعتزاز بالروح الثورية للبطل البخاتي، كانت قد قررت المضي بطريق المجد والكبرياء، فركبت معراج الشهادة من الأرض وحتى السماء، ليجود بنفسه الأبية فداءً للوطن، لأن الذوبان في بيعة الشهادة طريق لا تحده الأقواس، ولا تحجبه الأسوار، فقد كان للسيد البخاتي علامات وإشارات للنصر تحلق بين عينيه التواقة، لكرامة الحياة في الآخرة.الفرح لنيل الشهادة جمال غير محسوس، لا يدركه إلا منْ أتى الخالق بقلب سليم، فقد قام العبد الصالح الشهيد البخاتي بإخضاع أمر نفسه للباريء (عز وجل) وإنتصر على قواه الظاهرية بالحياة الدنيا، من أجل التكامل الذاتي، وهي صفة قلما تجدها في زمن الخوف والطغيان، لذا وجدَ في مدرسة السيد محمد باقر الحكيم وعزيز العراق (قدس الله سرهما) المثال الأوفى، ليكون له نصيب من الكرامة، وما أقدسها من ليلة لقي فيها العلي الأعلى، إنها إحدى ليالي رمضان الكريم، حتى أمسى في رحاب من يحب، فهنيئاً لك بإختيارك هذا، لتكون ضمن صفوة مختارة، لما حملته من أخلاق كريمة، وقيم إنسانية زاخرة بالصبر والشموخ، فلم تخف في رب جبار لومة لائم، وهذا غيض من فيض، ما وجدَ فيك أيها السعيد الصالح!لقد آثر الشهيد السعيد صالح ألا أن يعمل بصمت، فكانت عناوين الثقة والمصداقية والشجاعة هي المتصدرة، ولم يلتفت في يوم لأي منصب أو مرتبة، فهو مجاهد حكيمي، يُجسد لغة البطولة بأحرف من نور، طلباً لكرامة الشهادة، فعقله وضميره وقلبه كله مع مدرسة الحكيم، حيث مبادئ الإنطلاق نحو الذوبان في عشق الحسين وثورته المعطاء، بمسيرة ملؤها حرية وعدالة وإزدهار، كان يتمنى تحقيقه لشعب العراق، وقد أمد الباري في عمره ليرى أيام سقوط الصنم، فعمل بجهادية أكبر دون صوت، فأرجع البسمة الى أهالي الصقلاوية، لحظة وطأت أقدامه أرض بعد تحريرها من الدواعش.
ختاماً: لم يستسلم يوماً للوجع والغربة والظروف، بل صارعها بصمت الحكماء، فنال ثقة الحكيم ومحبته بإمتياز، وإستمر بطريقه الجهادي حتى أختاره الباري، ليكون في رحابه وبشهره الفضيل، ورسم من الجهاد طريقا، فسار به حتى نال المجد الأبدي الذي لا ينتهي، ومرضاة رب مقتدر كان مسعاه، فلم يكن يطلب جاهاً أو منصباً ثمناً لكل ما قدمه منذ نعومة أظفاره، لأنه تربى بكنف السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره الشريف) فكان التلميذ الذي ابهر معلمه لتواضعه وحبه للجهاد، إنه القائد بالفطرة، والمجاهد بالرضاعة، والشهيد بالمنازلة، إنه الشهيد السعيد السيد صالح البخاتي (رض).