هل انقلب السحر على الساحر، ام انها بداية مراحلة جديدة من التصفيات واعادة ترتيب الاوراق، ام انها صحوة ضمير ووعي بطلها وزير الدفاع العراقي ليجعلها بداية النهاية لمعالجة الفساد على اعلى مستوياته؟
قد يكون من الصعب التكهن بحجم النتائج المترتبة على اعترافات العبيدي امام مجلس النواب في جلسة استجوابه. فالاتهامات بحاجة الى حفنة مقدمات اصولية وقانونية لاثبات صحة مدعيات الوزير، اضافة الى جهات تحقيقية مهنية وسلطة قضائية مستقلة رفيعة المستوى تتمتع بشجاعة كافية لتجريم شخصيات هيمنة لزمن طزيل على قرار الدولة السياسي والقضائي بلا وازع ولا مانع.
ملف الفساد ليس من اعظم الملفات واكثرها تعقيدا واشدها وطئة على مسيرة الدولة واستقرارها السياسي والامني والاقتصادي، بل حديث المجالس والمقاهي والملتقيات الاجتماعية اليومية حتى اصبح الجامع بين الاطياف العراقية. فمنذ لحظة سقوط النظام البعثي وحتى لحظة قنبلة وزير الدفاع كان ومازال الفساد يقض مضجع الدولة وشكل الظاهرة السراطانية التي نخرت قوتها وافتت عضدها، الى الحد الذي جعل المؤسسات الراقابية الدولية ان تضع العراق في خانة الدولة الفاسدة على غرار الصومال والسودان…
ورغم ان العراق لديه مجموعة كبيرة من المؤسسات الرقابية ابتداء من ديوان الرقابة المالية وطاقم المفتشين العاميين وهئية النزاهة اضافة الى لجنة النزاهة البرلمانية، الا ان ادائها لا يتناسب وحجم الفاسد ولا يرقى الى مستوى التحقيق الرصين. فعقود الكهرباء المناطة الى شركات وهمية بمليارات الدولارات وصفقة اسلحة روسيا في عهد المالكي وغيرها المفارقات ذات العيار الثقيلة اغلقت دون اتهام ولا تجريم.
ولا تكمن المفاجئة بما فجره العبيدي بعترافاته حالة جديدة للهاجس اليومي العراقي بقدر ما شكلته اتهاماته مشهد فريدة من نوعه بتوجيه الانهام المباشر الى رئيس البرلمان ومستشاره وبرلمانيين اتفقوا مسبقا على استجوابه للاطاحته به. كما وان المراقب والشارع يدرك ان منطلقات الوزير ومهما كانت فيها من جرأة وصارحة صارخة الا انها ليست بعيدة من موقع الذود عن النفس قبل اي شيء اخر.
اهتمام الصحافة والاعلام ومطالبة برلمانيين برفع الحصانة عن المتهمين، وتوجيه رئيس الوزراء بفتح تحقيقات سريعة للوقوف على الحقيقة.. وان بداءت بين صرخاتها ومطالبتها بارقة بارقة امل، الا ان تاريخ ملف الفساد الحكومات العراقية ونظام المحاصصة وما يجري من اتفاقات خلف الكواليس سيقف حائلا دون كشف مستور او ورفع محضور، ولن تكون الا زوبعة في فنجان.