“قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلا”.
لأول مرة في تاريخ موريتانيا منذ انضمامها لجامعة الدول العربية في 1973، تنعقد هذه المرة في عاصمتها نواكشوط القمة العربية السابعة والعشرون في اليوم الخامس والعشرين من تموز 2016، وقد تم ادارة جدول أعمال القمة واستضافتها في خيمة عملاقة أعدت لهذا الغرض لتصبح اول خيمة تحتضن قمة العرب، وكسبت موريتانيا رهان تنظيم القمة في وقت قياسي بعد اعتذار المغرب عن استضافتها، وتحققت بعض أحلام وأماني الموريتانيين في تنظيم قمة بهذا المستوى، من حيث أن موريتانيا استغلت التراث العربي الأصيل في تنظيم استقبال الرؤساء بعرض الجمال على الطريق الفاصل بين مطار”أم التونسي”ومقر الاجتماعات حاملة اعلام الدول العربية، وسط اجواء عربية متراجعة عن الحدود المقبولة لنجاح القمة بسبب التغيب الغير مسبوق للرؤساء والملوك العرب وبتمثيل للوفود المشاركة يعد الأدنى خلال سبعين عاما تاريخ نشأة الجامعة العربية في 1946 مما ضاع”الأمل”من احتمالات انجاح القمة بسبب تلك الاخفاقات، الأمر الذي ساهم في بروز ظاهرة المقاعد الشاغرة والتمثيل الهزيل لمواجهة المشاكل والأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية العارضة والراسخة التي تحاصر البلدان العربية من المحيط إلى الخليج.
لقد انعقدت هذه القمة والأمة غارقة في بحر متلاطم بامواج التحديات والمفارقات، ولا تستطيع قمة على هذا المستوى المتدني من التمثيل والجد والحضور من معالجة المشاكل العربية المتأصلة والعالقة بين اوساط النسيج العربي، فبدلا من آن تحل مما علق به من غل راحت فأبحرت به إلى شاطيء”اللاحل”من حيث تزاحم سوء العلاقات بين دول الجامعة، ومن حيث أن اجواء القمة كانت مفعمة بالاحقاد والأحن والصراعات، ناهيك عن كثرة المحاور والرهانات وتعدد الأجندات والولاءات التي مزقت الروابط العربية المعهودة وغيرت حتى روابط اللغة والدم والتاريخ والجغرافيا والمصير المشترك، فضلا عن المشاكل السياسية العالقة بين بعض الدول العربية من جهة وبين العراق وسوريا ولبنان والبحرين واليمن من جهات أخرى متنوعة كل على حدة. كما لوحظ في هذه القمة والقمم التي سبقتها تدافع الدول الخليجية وعلى رأسها السعودية لإعتلاء ناصية صنع القرار، والتأثير على الجو العام السائد على المؤتمر لتطويعه لتحقيق مآربها من خلال دس المحتوى التي تتضمنه اسطوانة الأعراب المشروخة وتمريره في صلب البيان الختامي للجامعة كوسم حزب الله بالإرهاب لأنه القوة الوحيدة التي كافحت الكيان الصهيوني وقهرته، وكعدم السماح بالتدخل الخارجي لدول الجوار بالاشارة صراحة لجمهورية إيران الاسلامية التي تدعم العراق في قضاياه المشروعة والمواقف المصيرية لمكافحة الإرهاب، وكذلك الوقوف مع اليمن والبحرين في كفاحهما لنظامي السعودية والبحرين. برزت في أرض المؤتمر وواقعه عدة مفارقات من ابرزها أن قرر عددا من يعض رؤساء الوفود الذين شاركوا في القمة أن رفضوا المبيت في العاصمة الموريتانية، بذريعة تطفل جرذان فنادق نواكشوط على الإنسان في حال مبيته فيها، فضلا عن تواجد الفئران والصراصر.
وقيل:“جرذان” فنادق موريتانيا، اذا صح وجودها في تلك الأماكن، فهي اقل ضررا وفتكا ونقمة من معظم ضيوف هذه القمة ومن شراسة الأعراب وغدرهم، ولانها أيضا لا تقتل ولا تسفك الدماء ولا تفتك، ولا تساوم ولا تدعم الإرهاب، ولم تخرب بلدا ولا حارة أو حتى بيتا، ولا تشن حربا على الغير، ولا تمت للطائفية والعنصرية والطبقية بصلة، هي فقط تبحث عن كسرة خبز أو جزء من فاضل ما يخلفه الإنسان من طعام، تسد بها رمقها وتديم به حياتها، وهي أنيسة ووديعة مع أبناء جنسها وجلدتها وتتعاطف معهم على أساس التكاثر وحق العيش والبقاء، بينما هؤلاء يشعلون الحروب، ويشردون الشعوب، ويقتلون الابرياء، اطفالا كانوا أو نساء أو شيوخا، ولا يحسنون التفاعل مع مباديء التعايش والتعارف والتعاون.
وقيل بحق استضافة موريتانيا للقمة بعد أن اعتذرت المغرب من استضافتها: قد أمتعض بعض قادة العرب من استضافة نواكشوط للمؤتمر بسبب أملاقها وشدة فقرها، ما حدى ببعض الحكام بالتذرع بعدم الحضور واكتفوا بإرسال ممثليهم للحضور، وقال القائل: “كان الأولى بكم أن تدعموا أختكم الصغرى التي نأت بها الديار وتقطعت بها السبل بين ثلاثي “العجم والمحيط والصحراء”، أن تدعموها ماديا حتى وإن فضلت أن تظهر لكم غناها وتحجب عنكم فاقتها” .
هذا واختتمت القمة أعمالها بعد انقضاء يوم واحد فقط من افتتاحها، ولم يشارك فيها سوى سبعة من القادة العرب، وقد نقل العرب من خلال هذا المؤتمر من حالة “الأمل” إلى حالة “اللاحل”.وما تمخض عن هذه القمة أن ساهم بيانها الختامي في زيادة تعقيد الصراعات وفي تعميق الجرح العربي وزيادة في نزيفه المنهمر، كما لا يستطع هذا البيان ولا البيانات التي سبقته في القمم الماضية من تفكيك الاصطفافات العربية المتعلقة بدعم الإرهاب ومساندة المجموعات الإرهابية المسلحة وتوظيفها في الصراعات المحلية والاقليمية وصناعة الاقتتال المؤدي إلى تدهور الامن وإشاعة الفوضى والفلتان. “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا”.