22 نوفمبر، 2024 3:27 م
Search
Close this search box.

الهويه الغائبه وصناعة الحرب

الهويه الغائبه وصناعة الحرب

يعرف اريكسون الهوية الشخصية بانها الوعي بالذات وأدراك قيمتها بين إمكانات وجود متعددة. كما يعرفها جون تيرنر على انها الخصوصية التي تنشأ من الادراك الفعلي للون الثقافي والكينونة الاجتماعية، وهي غير ثابته وتحددها معايير متجدده. وهي قد تكون بوتقة الضمير الجمعي لأي مجموعه بشريه، من حيث الانصهار النسبي لطبقاتها.التحليل الاجتماعي للجماعات البشرية التي تسكن الشرق الأوسط، يبرز حاله غاية في الغرابة من حيث حالة الحرب والسلم. فهذه الجماعات في حالة حرب قائمه اما قتال فعلي في الخنادق او حرب بارده تكللها المؤامرات والاطاحة بالسلالات الحاكمة. وما نراه اليوم من استقرار نسبي لبعض الدول العربية فبسبب عامل خارجي، ولم يكن للتحالفات والمعاهدات دور يذكر في حفض السلم الأهلي الا ما ندر.لم تستطع جميع الحركات الثورية في بدايات القرن العشرين ان تعزز الهوية الوطنية للجماعات العربية، ولم تتحول هذه الحركات الى عامل موحد، ومخفف للفروقات الغيرية او وكابح لحالة الحرب بين هذه الجماعات.تتميز الشخصية العربية بحاله فريدة من النادر ان تجدها مكرسه بقوه وظاهره بهذا الوضوح في الامم الاخرى وهي حالة صراع الهويات. يقول على الوردي ان في داخل كل فرد عربي صراع فيه هويه تٌهزَم واخرى تنتصر ولبعض الوقت ثم يعود الصراع من جديد حسب تجدد المتغيرات وبروز عوامل جديده في التوازنات السياسية والجغرافية. فالعربي العراقي مثلا” له هويات متعددة، فهو عراقي _سني-شيعي-مسيحي عربي وهذه الهويات كانت ولازالت في حالة صراع لم ولن يتوقف.ان تعدد الهويات وتعدد صور تأكيد هذه الهويات تجعل الفرد العربي في صراع وتناقض مستمر مع ذاته او منظومته القيمية. فالعربي يعجز عن التكيف مع اي واقع يفرض عليه تنازلا” قيميا” او معنويا” للاندماج مع الاثنيات والقبائل الأخرى. العربي يسكنه حنين هائل لمظاهر هويه مفقودة في العشيرة والقبيلة والعادات والتقاليد والموطن الجغرافي واللغة والتي تتغير لتغير الزمن والحياة، حنين لكل شيء مر به الاباء وكتب عنه الاسلاف. العربي مسكون بخوف لاشعوري من المجهول الذي قد يقصي هويته وذاته المسكونة بالقلق.الجماعات البشرية في الوطن العربي رغم المشتركات الهائلة في الدين واللغة والموقع الجغرافي الا انها تقرأ التاريخ الذي مر به اسلافها بشكل مختلف. فلكل مذهب او قوميه او موقع جغرافي تاريخ مختلف يكون في حالة حرب مع التواريخ الاخرى. بحيث يلعب التاريخ الدور الحاسم في إرساء السلم او في تكريس الفوارق الاجتماعية وتأجيج الحرب بين الجماعات المختلفة. كما ان محددات الهوية التي تلتزم بها الجماعات البشرية خارج الوطن العربي غير قابله للنقل والاستنساخ لتعزيز السلم الاهلي عند العرب. فلم ترتكز المواطنة التي استوردتها الأحزاب القومية واليسارية عميقا” في السلوك الاجتماعي عند العرب. وحتى الجماعات التي تشترك في العقيدة او المذهب لم تكفيها للتوحيد وتعزيز السلم الاهلي. فتجد جماعات سنيه (بوكوحرام – داعش- القاعدة – النصرة ) تتقاتل فيما بنيها على النفوذ والهوية الدينية …

ولم يعد التاريخ و والجغرافيا لجماعات سكنت العراق مثلا كافيه لاحترام الأقليات كالمسيحيين اللذين تم اقصائهم ونفيهم من اوطانهم بشراسه. وهذا ما دأبت عليه حتى القيادات العربية المحسوبة ليبراليا منذ زمن بعيد، وصدام حسين مثالا” في اقصاء الاكراد والفيليبين والشيعة من العراق.ان القوة الروحية الهائلة التي أطلقها الوحي وكلمات الله المقدسة والتي وحدت المسلمين في عهد النبي لم تكفي على طول التاريخ الاسلامي بعد وفاة النبي الاكرم انت توحد العرب، وتجمعهم على سواء، رغم ان الاسلام لم يحرم الحرب مطلقا بل حول الحروب المحلية الى حروب خارجيه باسم الشريعة امتصت تناقضات القبائل بشكل منقطع النظير.العربي عندما يحارب او يعقد التحالفات سواء على المستوى المحلي او الخارجي , يستخدم الوحدة والتصالح كاستراتيجية تخدم الحرب وليس العكس, فنحن الامه الوحيدة التي لا تجد نفسها ولا تؤكد ذاتها الا في خوض الحروب بكل أنواعها، رغم اننا خسرنا جميع حروبنا. حيث تحولت لدينا النظرة الوجودية للحرب الى أيديولوجيا ومنهج يرافق النبوغ وولادة المذاهب والمدارس السياسية، اذ يتم رسم ابعاد الصراع مع الاخر قبل تثبيت ايديولوجيات البقاء. لذلك يتم تأطير صيغ الصراع ورسم هيكلة الحرب قبل صناعة اساسيات التعايش مع الاخر. يتجلى ذلك في التربية الاجتماعية وتغذية مخيلة الأطفال بجنون الحرب، ولا أنسي مذ كنا صغارا كيف كان اهلنا يتركوننا نتقاتل امامهم ليحصلوا على لذة نصر وهمي يحتضر في وعيهم المُقعد حتى لو كان الثمن انهيار طفولتنا التعيسة.
تجلت فلسفة الحرب في جذور أكثر الأيديولوجيات التي انتجها العقل العربي قديما وحديثا. فمعظم ابطال الطوائف والأحزاب السياسة هم محاربين وقتله، وأكثر رموز العرب والمسلمين شهرة هم المنتقمين من الاخر والسفاكين لدم الأبرياء ومن النادر جدا ان تجد عقيده فلسفيه او سياسية او دينيه دون يكون لها تاريخ اسود في إراقة الدماء.
يقول المحللون الاجتماعيون بان الحل ألوحيد في وقف الحروب المحلية والذاتية العربية هو في تفكيك فلسفة الحرب في العقل العربي من خلال تعزيز الروح الإنسانية في ايديولوجياته وافعاله الفردية. الفلسفة الإنسانية المعدلة والتي تقبل التدين، ممكن ان ترفع مستوى الوعي الجمعي العربي فوق التناقضات التاريخية، وربما لو رافق ذلك برامج ناجحة في التنمية البشرية ربما ستتمكن من ترميم الذات العربية المسكونة بالقلق الوجودي والهزائم التي لا تتوقف منذ فجر التاريخ.
[email protected]

أحدث المقالات