إنقلاب بليلة صاخبة أشبه بقصيدة عصماء يتيمة، لشاعر إنطفى نوره بسبب الموت، وبقي ذكر قصيدته الوحيدة قائماً، ثم بدأت إعتقالات واسعة طالت الآلاف، بدءاً بالجيش، والتعليم، والعدل، وتم إغلاق مئات المدارس الدينية الخاصة، وإيقاف العمل مؤقتاً بالمعاهدة الأوربية لحقوق الإنسان، وإعلان حالة الطوارئ لثلاثة أشهر، وزيارات سريعة مفاجة للولايات المتحدة الأمريكية، لتسليم فتح الله غولن زعيم المعارضة، والغريم السياسي البارز لإردوغان، فما أكبرها من مؤشرات!
عقب أحداث الإنقلاب الفاشل، الذي قادته مجموعة من قادة وضباط الجيش، وصف الرئيس التركي إردوغان المؤسسة العسكرية بالعدائية، وأنه سيلتزم بخطة تطهيرها، وإطلقت الوسائل الإعلامية على هذه الحملة، إسم عملية تقليم الأظافر مع إعتماد مخططه السابق (المطرقة الثقيلة)، للحد من سلطات الجيش التركي، فلن يسمح للخونة الذين باعوا ضمائرهم، بالسخرية من أصوات الناس، ولكن ليلة إنقلابية واحدة بسويعاتها، تسفر عن أسرار كبيرة وخطيرة فما هي؟! تعرض الرئيس التركي طيب رجب إردوغان لإنتقادات عديدة، بسبب الممارسات الإنتقامية من الإنقلابيين، حيث لا تأكيدات أمامه تثبت تورط جميع مَنْ عزلهم وطردهم، لكنه مازال ماضياً وبقوة أكثر بحملة التطهير، والعالم يكتفي بالمراقبة عن كثب، والحقيقة إنها محاولة شرسة لتثبيت حكمه، وترسيخ مبدأ الحكم المطلق، وهذا ما سيحاربه الأتراك أنفسهم لاحقاً، إذ أثبت التأريخ أن النظم الدكتاتورية والشمولية، لم تحتفظ بالسلطة لمدة طويلة، فسقوطها حتمي!
يشير المتابعون للشأن التركي، أن سياسة كسر العظم لا تخلف إلا الدمار والدماء، وعندما أشار إردوغان بضرورة نزول أنصاره الى الشوارع، فإنه نسي أن الديمقراطية والمواطنة، اللتين وصلا إليها شعب تركيا، أساسها حبهم لوطنهم الذي يعلو فوق كراهية إردوغان وتسلطه، ولأنهم تعودوا إلقاؤه باللوم على الجيش، عندما تنشط معارضة ضده، وهذا ما جعلهم غير منتبهين لتميزه، بل إنتبهوا لسقوطه الإنساني، بتعامله مع الجيش، والقضاة، والمعلمين.
لا يمكن لتركيا المقبلة أن تكون أمة بلا أعداء، فهي حليف إستراتيجي لأمريكا وإن لم يعودا كما كانا، خصوصاً مع شدة المطالبة بتسليم غولن، الذي يعتبره إردوغان المدبر الإفتراضي لعملية الإنقلاب، مع تنديد الأول بالعملية مردداًعلى وسائل الإعلام:(لا أستبعد أن يكون إردوغان نفسه، هو مَنْ دبر محاولة الإنقلاب هذه، ليقوم بإنقلاب سياسي على الجيش والشعب، وتصفية المعارضين له)وقد تكون هذه العبارة حقيقة وليست محض خيال!
تداعيات الإنقلاب التركي رغم قصر مدته وفشله، سيلقي بظلاله على الجميع دون إستثناء، داخلياً، وإقليميا، ودولياً، فعندما تكون حرية الكلام عرضة للخطر، تأكد أن الصمت لن يطول، فالإعتقالات والمداهمات الكبيرة مستمرة، وإغلاق المدارس والهيئات الدينية والخيرية، باتت مادة دسمة جداً، للخروج على الدكتاتور الديمقراطي، الإخواني طيب رجب إردوغان، لذا لن ينتبه الأتراك بكافة طوائفهم، لتميزك في القضاء على حرياتهم، بل سيقصّون لأطفالهم حكاية سقوطك الغريب!