19 ديسمبر، 2024 6:00 ص

أضرحة العالم السفلي

أضرحة العالم السفلي

1

{ أيها الأب الذي لا أعرفه ، والإله الذي كان يشغل جوانب قلبي في ما مضى ، ثم زوى الآن وجهه عني ، ادعني إليك وكلمني ! لا تلزم الصمت ، فإن النفس التواقة الصادية تشتهي أن تسمعك … (( ها أنذا يا أبي قد عدتُ إليك ! فلا تـُحلّ غضبك علي إذا لم أرد أن أتم الرحلة التي حددتها لي إرادتك , لقد وجدتُ العالم في كل مكان هو العالم ، أنا لا أكون سعيداً إلّاحيثُ كنتَ ، ولا أريد أن آلمَ وألذ إلّاحيث أنت )) … } . نوفمبر 1772

بحنين مكلوم ، وخجلٍ من نفس لاعبتها أحلام ليل دافئ ، بسطور أخرى وكلمات ، واعترافات وتجاوزات … بقلم منخور من ذاكرة زمن أعمى ، وأحبارٍ من أنهار وجع .
نعود … نكتب
نكتب …
فهل سنكتب حقاً ؟ أم نكذب ؟
لا … لنكذب … نعم … نكذب ، فقد اكتشفنا في هذا الأوان ، وليس بعد فوات الأوان ، أننا نتاج ماكينة وهم ، وبضاعة سوق لا يرحم .
ولأننا نريد الاعتراف بخطايانا ، ونحاكم أنفسنا ، على سطور الوهم التي رسمناها ، وسنين الحب التي نسجناها ، وطقوس  الغيب التي مارسناها ، إذ إنهم قالوا لنا في عالم ما بعد الحرب أننا بغايا كلام ، وقتلة أحلام ، ومنافقون بلا حدود ، وعبيد وجواسيس ، وأذناب غول غزا مزارع الأرز .  
في أنفسنا أمراضُ افتراضٍ مرتبك ، وحوالينا قيمٌ تحترق ، وأحداث تطوق ذاكرتنا لا يتوقف بثها ، وسطورنا ستعني  وقتها أنانية نفس مثقلة ، وروح مخنوقة ، وتفكير يمتلكه هوى الغبن والحزن والهزيمة .
نكتب ونحن نفرح ، أو حين نحزن ، في النصر أو الهزيمة ، حين نحب وحين نكره , فترانا بلا حيادية أو إنصاف مع أنفسنا وسطورنا وعيون المتتبع لها ، كأننا سكارى ، وحمقى ، طحنهم الإفلاس ، ليبيعوا السطور بأيّ ثمن !
فقدنا الهدوء ، يوم فقدنا استقامة السطر ، ويوم ابتسم محب لنا ، واغتاظ آخرٌ لم يدرك أننا في زمن بلا ثبات .
فتعال معي وجفف قطرَ عينك أيها المبتهل الى الغيب كيما ترى حقيقة أنك هنا أم هناك ؟ ما العالم إلّاإيّـايّ وحزني ، وأنت ورماد شوقك وانتظارك هذه السكك المنحوتة في كهوف الليل المستجدي لغدٍ لا  بيدي ولا بيدك .
تعال وطف بضريحٍ في العالم السفلي مرقده ، حيث لا قيمٌ ولا شرف ، ولا وطن يذبح أبنائه ، ويخنق بسمات الرب من خلف سبع سموات . تعال معي ولا تتكلف المجيء ، تعال هكذا ، فهنا غير مطلوب منك جواز سفر أو حقيبة أو صدر مهشم من الحب والحنين . اقترب وتلمس هذا المسخ المطروح تحت قمامات العالم العلوي وترهاته في بناء وطن يتلاشى من ذاكرة المحب المحروم .
هنا حُجرٌ لا يدخلها نور الإيمان المنبلج من وجوه أبطال المعركة ، وأخرى غير معطرة بأبخرة الدين الممسوخ في مساجد أشراف البلد . نحن هنا ،  نسمع كل ليلة عواء هذا الممدد تحت هذا الضريح ، عواء ذئاب تاهت في مقابر الأطفال .
مسموح لنا كل شيء ، سوى أن نحلم أو نأمل غداً غير فاضح لساعاته بجريمةٍ أو بعقاب .
صدقاً أقول لك ، إن أوهامي وهلوستي أوحت لي بأن طريق البغي يا صاحبي أهدأ من طريق النسّـاك ، وخمّارة الحيّ أأمن من محراب المبتسم ليل نهار ، ثوب العاهر الممزق أكثر دفئاً من عباءة صاحب الإله . إلههم الذي أقصد ليس بإلهي الذي أعرف ، هناك فرق … ولا أدري لم لا يصاحبنا إلههم الذي في السماء ؟ هل لأنه يكره الحمقى ؟ أم لأنهم يرددون دوماً إنـّا لله وإنـّا إليه راجعون ؟
شيء ما يجعلني أتلاشى أمام ليلي وأنتظر ، وصورٌ تخرج من قناني الحزن تبتسم لي ، تعطيني طاقة الأرق إلى فجر موحش آخر ، وحين يأتي نهار جديد ،أحس أن العالم الذي فوقنا يرتكب معصية جديدة … لأني ما زلت أتنفس .

* ايوب سابقا

أحدث المقالات

أحدث المقالات