عام 1950 استقلت الهند عن بريطانيا وجاء استقلالها ضمن حالة من النهوض الوطني والتمدد اليساري وشيوع الافكار الاشتراكية وفي الثقافة كانت التأثيرات اليسارية واضحة ومن حقول الثقافة كانت السينما في هذا البلد النامي …
عاصفة سينمائية
ومن الهند هبت عاصفة الفلم السينمائي (أم الهند) وتوجه غرباً اجتاز طهران وحط الرحال في بغداد لبعض الوقت ليواصل مسيرته غربا كان الفلم بفكرته واداء ممثليه خاصة الممثلة الجميلة (نرجس) قنبلة تفجرت في اكثر من مكان لتتشظى بوجه الاقطاع وما يتضمنه من استغلال.
وفي سينما الخيام ببغداد عرض هذا الفلم عام 1959 وذات مرة فوجئ مشاهدو الفلم بالزعيم عبد الكريم قاسم يدخل سينما الخيام لمشاهدة الفلم ووصل الفلم الناصرية عام 1960 وعرض في احدى سينماتها.
كُنا طلابا
وذلك العام (1960) كنا طلاباً في اعدادية الناصرية معظم ليالي (الخميس على الجمعة) نذهب لنسهر بضع ساعات مع احد الأفلام السينمائية في واحدة من دور السينما الموجودة في المدينة ففيها داران للسينما هما : البطحاء والاندلس ومن الافلام التي شاهدناها كان فلم (أم الهند) الفلم يدين تصرفات الاقطاع واستغلاله للفلاحين وهذا واحد من اسباب رواجه ترك الفلم اثاره على الحياة الفنية والسياسية في الهند فعندما اغتيلت (انديرا غاندي) رئيسة وزراء الهند وكريمة الرئيس الهندي الراحل (جواهر لال نهرو) كان العنوان الابرز في (مانشيتات) الصحف العالمية هو : قتلوا أم الهند.
نرجس وبرجو
ابرز شخصيات الفلم كانت الممثلة نرجس التي قامت بدور الام التي تتحمل المشاق من اجل تأمين لقمة العيش لأبنائها وكان الطفل (برجو) شخصية مثيرة اذا كان متمرداً وعنيفاً وهكذا لقي مصرعه على يد الشرطة الهندية المتواطئة مع الاقطاع. قصة الفلم كما اتذكرها رغم مرور ما يزيد على نصف قرن على مشاهدتي له تبدأ هكذا : السلطة المحلية في ولاية هندية أنجزت مشروعاً اروائياً وبدل ان تطلب من حاكم الولاية افتتاح المشروع طلبت ذلك من الأم الارملة التي تعيل اطفالها وهكذا كانت اصوات الجماهير
المحتشدة تتعالى مطالبة (أم الهند) بافتتاح المشروع وهكذا تقدمت نرجس ببطء تتدلى حول رقبتها دوائر الزهور الهندية المعتادة وتصرخ الجماهير حدثينا يا أم الهند هنا يرحل ذهن بطلة الفلم (نرجس) التي حفرت السنون اخاديد عميقة في وجهها الى تلك الايام حيث تزوجت شاباً ينتقل بعد سنين الى جوار ربه لتتولى الام مسؤولية العائلة، الجماهير تصرخ : حدثينا يا أم الهند لكن السيدة كانت في رحلة استعادية للماضي..
ما الذي ذكرني؟
ولكن ما الذي ذكرني بالهند وامها وبنرجس واطفالها؟ اصارحكم بالاتي : في بغداد كان هناك تجمع صحفي احتفالي وحضرت التجمع مدعوا كان شعاع نظري يدور في مكان الاحتفال دار الشعاع دوراتٍ عديدة سريعة وفجأة افلت الشعاع من جاذبية الحاضر في رحلة استعادية ورغم التكريم بتلك المناسبة شعرت في لحظة ما انني دون ان يدري او يطلب احد امثل دور (أم الهند) .. والحديث الاستعادي مؤلم وطويل؟!.