لا يكاد يشعر المواطن وهو يتجول في شوارع العراق بوجود ما يثير مزاجا طائفيا معكرا، لولا شعارات الاحزاب الدينية و هناوينها التي تتربع احياء بغداد الراقية بالنقيض تماما مع ما ترفعه تلك الأحزاب من مفردات ورع وزهد و عدم تعدي حقوق الله و الوطن..ما زالت بغداد عراقية الهوى و الابتسامة بعيدا عن دموع تذرف على أبنائها الشهداء الذين تصدوا بصدور مفتوحة لأبشع جريمة عصر ارهابية على أيدي خارجين عن عصر الانسانية يطلقون على أنفسهم ” دولة الخلافة”، التي لا تربطها بالخلافة الراشدة أية قرينة أو غاية!!
ان ” بدعة خلافة داعش” تمثل أخطر نكبة في تاريخ الانسانية الحديث، بل هي الخنجر الأكثر ايغالا في قيم الاسلام السمحاء، دموية لا علاقة لها بقيم الأرض و السماء و وحشية تعبر عن “شماتة حد الحقد” على المسلمين، انها وسيلة تمرد على الدين و اخلاقه لمكاسب دنيوية، بدليل لم نسمع عن رسالة لما بعد لغة القتل الهمجية، ما يؤكد المعطيات بان المستهدف هو الاسلام وآهله، بدليل أنه ومجرد انتهاء الدور ” تبخرت قيادة المشهد الهوليودي”، أما ” الخليفة المزعوم” فهو من بين أوراق اللعب المبرمجة، حيث لم يظهر سوى مرة و كأنه ” خراعة خضرة لطرد النحس عن الطماطة”.
ونحن هنا لا نريد التعمق بالنتائج بل ندعوا الى الاعتبار بالأسباب، التي دفعت العراقي الى الالتفات بعيدا عن فلسفة الاحزاب الدينية بعد اكتشاف ” طمعها غير المحدود بالسلطة و مغرياتها”، حيث المناصب لا تنافس عليها خارج مظلة” الأنصار”، فيما وصل ” التلقين الرافض للحوار” الى حد ” قتل الأمل في النفوس” عبر خطب رنانة لا تعتبر بالنتائج لذلك انحرف جيل عن التسامح بمفردات متطرفة رددتها حناجز ” مبرمجة ” على مصالح أخرىن فتحول الجهاد غير المحدد بهدف” الى الارهاب من أفغانستان الى العراق بينما أضحت فلسطين من الماضي المهجور!!
أن سياسة شراء الذمم بالمغريات المادية و الاعتبارية استراتيجية فاشلة، واعتماد منهجية تقبل الضربات بزعم عدم افتعال المشاكل ليس أسلوبا لادارة الدولة، فقد تعامل العراقيون مع متغيرات سياسية و اجتماعية كثيرة، لكنهم لم يلمسوا يوما تشويها للحقائق مثلما يجري حاليا ضد العراق وآهله، بسبب تقوقع حكومي على الذات و خبرة سياسية منقوصة ومجاملة زائدة عن حدها للقوى الاقليمية، مقابل اصرار على صم الأذان خوفا من سماع صوت العراقي الرافض لسياسة ” المخادعة و التضليل” عن داعش و آخواتها، حيث يردد العراقيون هذه
الأيام عبارة” مثل ما جاؤوا بالصدفة سيرحلون كذلك” في اشارة الى داعشن ما يكشف عن معرفة مهمة بالتحديات و اكتشاف أن التثقيف الطائفي مصلحة حزبية لا ارادة شعبية، حيث يتم الحديث بالاسماء الواضحة عن المتورطين بنهب الدولة و تقزيمها بطمع مالي لا يعرف الحدود و تبعية اقليمية خارج المنطق، لذلك يحاول دعاة ” الدولة الدينية ” التمرد عليها بوصفها ” موضة قديمة” ، خاصة مع توقعات بانحراف البوصلة بزوايا حادة بعد التقارب الاستراتيجي بن أنقرة و تل أبيب ، حيث مصالح الدول أهم من الاحزاب، بينما يتقمص السياسيون في العراق ادوارا لا تناسب مرحلة ما بعد داعش، فهناك جيل جديد و أولويات مختلفة و عناوين تحترم ارادة مواطن يصبر دون فقدان الأمل، و تصميم غير مسبوق على انهاء دولة ” المكونات الدينية”،، وانتفاضة جسر الجادرية غير المعلنة أولى بوابات ذلك!!
[email protected]