من ” ثمار ” الحروب التي دارت في العالم كلّه على مدى العصور والأحقاب، وتدور في ربوع أوطاننا الآن، أنّها تنشر أمامنا خرائط مرعبة من الجغرافيا المحترقة المدمّرة لأصغر بلدة من بلداتنا، وأقصى قرية من قرى ريفنا. بل تتجزأ وتدخل في تفاصيل الحارات والشوارع والساحات والدوّارات.
عرفنا عمّان إبّان أيلول الأسود بجبالها وقصورها وخرجنا منها إلى إربد ومعان والطفيلة وجرش والرمثة.
ثمّ جلنا في بيروت على مدى خمسة عشر عاما طويلة.
ثمّ نزلنا إلى الجنوب لنسمع عن وادي التفّاح والنبطيّة والعرقوب وراشيّا والليطاني وقلعة شقيف ومرجعيون…
ثمّ صعدنا إلى بيروت ثانية لندور في مخيماتها وحواريها وقطاعيها الشرقي والغربي. في صبرا وشاتيلا وعين الحلوة وفي المتحف والكولا والملعب البلدي، لا لنشاهد مباريات أو لنتفرّج على تحف ولقى أثريّة بل لنسمع دوي المدافع وهدير الرصاص مرّة بين الأخوة ومرة بين هؤلاء والأعداء الحقيقيين.
ثم جاء دور العراق
وسوريا
وليبيا
و…
من كان يسمع من العالم بالكيّارة أو بالرقّة أو بالشركاط أو منبج أو اعزاز؟
ومن منّا كان يعرف أين تقع جزيرة الخالدية؟
بل من منّا كان يعرف أنّها جزيرة أصلا؟
ومن سمع منّا من قبل بشارع في حلب اسمه شارع البارون؟ أو بمنطقة الكلاسة أو الحمدانية أو الكاستيلّو أو الليرمون؟
ومن سمع منّا بكلّ تفاصيل الجغرافية الليبية والتوزيع القبلي فيها؟
ومن منّا كان معنيّا بتوزيع السنّة والعلويين والدروز في سوريا ولبنان؟
ومن منّا كان يعرف إن كان جاره الذي على يمينه ويساره صابئيا أم مسيحيا أم سنيّا أم شيعيّا؟
صار العالم يعرفنا أكثر وهو الذي ما كان يميّز بين عربي ومسلم أو بين العراق وإيران أو بين السنّي والشيعي.
صار العالم يفرّق بين داعش والقاعدة
وبين الحشد الشعبي والحشد الوطني
وبين ” صدق الله العظيم ” و ” صدق الله العليّ العظيم “
صرنا أشهر
بعد أن صارت ” غوغل إيرث ” تهتمّ بأدق دقائق مدننا وقرانا وحاراتنا
وبعد أن عرّفنا العالم أجمع بأننا لسنا كيانا واحدا بل كيانات متفرقة وطوائف متناحرة وقوميات غير متآخية.
لكننا صرنا أحقر
في نظر العالم
وفي نظر نفوسنا
صرنا فرجة ومصدرا للتندر وضربا للأمثال.
سياحتنا سياحة دم ودمار
سياحتنا لا تكلّف مالا ولا سفرا
بل تكلّفه دماء ودموعا وألما
هي سياحة عبر أجساد ممزقة ومبان مهدّمة
سياحة عبر مخيمات ومقابر ومستشفيات.
سياحة في وجوه نساء يائسات وأطفال مذهولين من هول ما يرون
سياحة موت
وسياحة نسور تنهش
وغربان تنعق
وبوم تنذر بالمزيد.