18 نوفمبر، 2024 1:22 ص
Search
Close this search box.

الأهوار ( المجلات وجدار الطين والحرمس )

الأهوار ( المجلات وجدار الطين والحرمس )

لا أدري إن كانت بيروت والقاهرة تعلم أن كل مجلاتها الفنية ( الموعد ، الشبكة ، الكواكب ) كانت تصل الى ابعد قرى الاهوار بأنتظام واسبوعيا ، لأن الكثير من معلمي المدارس يشتركون بها لأجل أقتنائها من خلال مكتبتي الاهالي ومكتبة 14 تموز .اللتان تقعان في شارع الجمهورية التجاري وسط مدينة الناصرية.
كنا نقلبها ، فنحس بدهشة الوجوه التي تلامس شهيتنا وذكورتنا ورغبات السفر في اجفاننا لنتخلص من جحيم الحرمس في ليل الاهوار وهو يغرس في اجسادنا فمه الذي لايرى بالعين المجردة حتى ونحن نختبيء في الناموسيات ، وبالرغم من هذا يدبُ و( يندحسُ)  داخل اعناقنا وصدورنا وهو يتغذى بدمائنا ، وحتى نهرب من وجعه نذهب الى تلك المجلات نقلب فيها الوجوه الانثوية الجميلة على ضوء الفوانيس (برجيت باردو ،  نادية لطفي ، زبيدة ثروت ، راكيل ولش ، هند رستم  ، فاتن الحمامة ، صباح ، جاكلين سلام ، صوفيا لورين ، سعاد حسني ، اليزلبيث تايلور ، جينا لولو برجيدا ، صوفي مارسو ، برلنتي عبد الحميد وميرفت أمين )
ومتى يأتي العدد الجديد من المجلة ، نفصل غلاف العدد القديم عن المجلة والذي في اغلبه يحمل وجها انثويا جميلا لممثلة ، ونثبت هذا الغلاف مع اغلفة اخرى على جدار الطين في غرف نومنا القريبة من بناية المدرسة.
كانت تلك الغرف المبنية من الطين او القصب والممتدة على طول ضفاف الاهوار وفي عمق المياه تكاد ان تكون كاليرات تؤرشف تاريخ السينما والوجوه الخالدة فيه ، من شارلي شابلن حتى عماد حمدي.
جدران تؤرخ لاحلام اجيال دفعها قدر الوظيفة ولقمة العيش والمنفى أن يتمنوا قسوة حشرة الحرمس وهي تلسع فيهم رغبة النعاس ليظلوا مستيقظين مع وهج ولذة وبوح وجوه اغلفة مجلة الموعد والشبكة وكواكب ، وربما صورة على الغلاف للراقصة الشرقية سهير زكي بملابس الرقص تصير ليلا لاعراس احلام البعض ليتأهلوا الى الزواج او ليحصلوا على قبلة فم او خد في خلسة ليل بواحد من ازقة الشارع ( الدربونة ) مستذكرين غرام الدرابين الذي يحمل شهية النار والبراءة وكتابة الخواطر الجميلة.
ولأن الاهوار من دون ازقة ودرابين عوضنا عنها بجدران الطين والقصب ، وقد كان احدهم يردد الفكرة التالية :
ايام سومر كان الاطفال يتخيلون الغرام القادم في صنع دمية من الطين ولها نهدين كبيرين. اليوم نحن الكبار ، نتخيل ممثلات اغلفة المجلات المعلقة على جدار الطين ، دمى تتحرك وتثير فينا كل شيء.
وبين الاثارة وسحر الوجوه في اغلفة المجلات في ليل الاهوار والظهاري الممتلئة جمالا فيما يمتد امامنا من قصب وماء وطيور تحط تهبط وتحلق ، يتداخل في طيف كل واحد منا شيء من رغبة تخصهُ هو ، وحتما كان اغلب المعلمين من اؤلئك الذين سكنهم اليسار وثقافة الكتب وشاشات السينما ،فكانوا اكثر وعيا وفهما لتلك الخواطر المجنونة التي كانت تجلبها لنا اغلفة المجلات المعلقة على جدران الطين وهي مثلنا تقاوم لسعات الحرمس عندما تتخيل الحشرة ان العسل والقيمر موجود في خد نادية لطفي على غلاف المجلة فتذهب لتلتصق به.
ذلك العالم المجلة وجدار الطين وحشرة الحرمس أختفى الان ، وضاع في سجلات القيد العام للمدارس التي تم اغلاق معظمها ، وإؤلئك الفرسان الذين كانوا يصنعون خيال الاساطير من عطر تلك الاغلفة اغلبهم سكن المنفى الاوربي او احيل على التقاعد ، وربما جميع جدارن القصب والطين ، تلك الكاليوات الجميل لدهشة الفن فينا والبياض المغري لجسد هند رستم قد تهدمت بفعل تركها كخرائب عندما هاجرها اهلها يوم جاء العطش الى المكان وتم تهجير معدان الاهوار أو تلك الغرف سحقتها الشفلات او المدافع وهدمتها.
الآن . الزمن يختفي وراء متغيرات العصر .المعدان عادوا الى ازلهم في المكان .لكن مجلات الموعد والشبكة والكواكب ، بعضها توقف ، والاخر لم يعد يصل الى العراق ، وربما بسبب العولمة والانترنيت اختفت الرغبات من المعلمين الجدد ليتعلقوا بسحر تلك الاغلفة والوجوه التي مات اغلبها وشاخ واصبح عجوزا البعض الاخر ، لكن الوجوه التي تخلق في الذكرى خلود الزمن تبقى خالدة ، هكذا مثل وجه اله اغريقي على خد كليوباترا.

أحدث المقالات