بعد نتائج تقرير لجنة الحرب على العراق. قراءة في كتاب مذكرات بوش الابن بوش بين الشعور بالذنب والخوف من التاريخ….
كان صدور كتاب مذكرات الرئيس الامريكي السابق جورج بوش (نقاط القرار) محاولة منه لتسليط الضوء على مراحل من حياته وحكمه وما شهدته من احداث وازمات وهو الامر الذي دأب عليه اغلب الرؤساء الامريكان بعد انتهاء ولاياتهم الرئاسية، ولكن للرئيس بوش أسباب كثيرة دفعته للكتابة والاستعانة بالعديد من الخبراء المذكورين في الكتاب. وما يهمني هنا هو ما يخص ايام حكمه بالحرب على العراق وبعض ما يتعلق بتلك الازمة التي غيرت التاريخ سواء اكان ما يتعلق بالشرق الاوسط او العالم الاسلامي والولايات المتحدة او من خلال الاحداث التي صاحبت او تلت فترة حكمه، مثل احداث الحادي عشر من سبتمبر والحرب على الارهاب وختاما بالربيع العربي…
لقد لفت نظري عبارتين ذكرهما المؤلف واهميتهما تأتي لتفسر دوافع بوش في تعامله وردود افعاله وتفاعله مع الاحداث، اذ ذكر في عبارته الاولى في المقدمة، عند مستهل الكتاب تعليقا على الاحكام والاستنتاجات حول رئاسته (ان مرور الوقت يسمح بتبريد العواطف، ويوضح النتائج). العبارة الثانية كانت تعليقا على المقابلة مع استاذ التاريخ الذي كان يدرسه حينما أرسل في طلبه ليدعوه الى البيت الابيض حيث أكد انها كانت لحظة خاصة في حياته معلقا…. (الطالب الذي صنع التاريخ يقف بجوار الرجل الذي كان يدرسه التاريخ منذ سنوات طويلة خلت…)
لقد جاءت العبارة الاولى لتوضح وتؤكد مدى ادراك بوش كمية الغضب الدولي وردود الافعال الرافضة لسياساته وقراراته, اذ انه يؤكد رغم مرور سنوات على انتهاء ولايته بان العواطف مازالت حامية متأججة ورافضة وان الوقت كفيل حسب ظنه بتفسير او تبرير ما فعله وهذا بقدر ما يعني اقرار بالذنب فانه طلب مسامحة او عفو حتى نصبر علبه والزمن سينسينا الذي حصل في مناطق كثيرة من العالم اثناء فترة رئاسته….الوقت يسمح بتبريد العواطف لأنها مازالت حامية وان الزمن سيوضح نتائج عملي او اخطائي بعد ان يحمل معه الام الضحايا واوجاع الملايين في العراق وافغانستان وحتى داخل الولايات المتحدة نفسها من ضحايا الفيضانات في لويزيانا وبقية الولايات الامريكية…
في العبارة الثانية ومن سيرة بوش الشخصية والتي يرويها هنا فقد كان يفسر ولعه الواضح جدا بالتاريخ , وهو ما يفسر أيضا الاندفاعات الجنونية تجاه الحروب لأنه يريد صنع التاريخ الخاص به معللا حروبه مرة بالأحداث الاستثنائية التي مرت بها فترة رئاسته ومرة اخرى بان الارهاب يملا العالم ويجب ان يواجه بحزم, وهذا يعني الحرب, ولكنه تناسى ان الارهاب صناعة امريكية, وعندما تعود بنا الذاكرة الى كيفية ظهور القاعدة ومن الذي صنعها وعلى من تمردت ومن اعلن الحرب عليها باسم الحرب العالمية على الإرهاب سيعطينا الفهم الكامل للنتائج الكارثية للسياسة الامريكية في التعامل مع الشرق الأوسط على وجه الخصوص لأنه مركز الاهتمامات والمصالح الخارجية الامريكية.
لقد ذكر بوش في كتابه حول قرار الحرب على الإرهاب (لم أكن اريد اعلان القرار الكبير الذي كنت قد اتخذته: ستعتبر الولايات المتحدة أي دولة تؤوي إرهابيين مسؤولة عن أفعال هؤلاء الإرهابيين. هذه العقيدة الجديدة قلبت النهج المعتمد في الماضي، والذي كان يميز الجماعات الإرهابية عن حاميها ومموليها. كان علينا ان نجبر الدول على الاختيار بين محاربة الإرهابيين او المشاركة في مصيرهم.) 189ص
الا يعلم السيد بوش ان سلطة دولته وسيادتها تنتهي عند سلطة وسيادة الدول الأخرى وان انتهاك سيادة الدول يحاسب عليها وان الإرهاب يمكن محاربته من خلال تحديد ماهيته أولا ثم الإرادة الجماعية للدول واتفاقهم هو من يقضي على الإرهاب. لكن السيد بوش يبدو انه لم ولن ينفصل عن شخصية الرئيس التي أدخلت العالم في حروب عديدة ولم يندم على اخطاءه في أي مكان في العالم ومنها العراق. اذ لا يجوز لأي دولة في العالم ان تهاجم دولة أخرى بحجة ايوائها إرهابيين كما اننا وجدنا الولايات المتحدة وهي تجمع كل ارهابيي العالم لكي تقوم بمحاربتهم في العراق، فما هو ذنب العراقيين، فيما عانوه ويعانوه حاليا، وهو الذنب الأخلاقي والقانوني الذي اقترفته إدارة بوش بحق العراق والعراقيين والدمار الذي لحق بهم فيما بعد وهو أي هذا الذنب (الإرهاب) أحد اهم اسباب بوش في حربه على العراق.
لقد قارن الرئيس بوش العراق بدول عظمى دخلت حروب وخرجت منها وبنت بلدانها بمساعدة الولايات المتحدة وهي امثلة طرحها ليثبت ربما سلامة نية الولايات المتحدة من الدمار في العراق، وهي اليابان وألمانيا وجنوب كوريا وان هذه الدول تختلف عن العراق بتمتعها بالتجانس السكاني وبيئاتها السلمية بعد الحرب عكس العراق الذي شهد توترات عرقية وطائفية , وقد حدد مشاكل العراق بثلاثة رئيسية هي هذه التوترات الطائفية والعرقية والتي عانى العراق منها من وقت انتشال البريطانيين للبلاد من بقايا الدولة العثمانية وعامل الخوف وعدم الثقة اللذين جعلا التوافق صعبا على العراقيين إضافة الى الهجمات الوحشية من قبل المتطرفين. هذا ما ورد ص.475
كما ذكر السيد بوش في نفس الصفحة أعلاه، ان العراق كان يتمتع بوجود جيل شبابي مثقف وحضارة ومؤسسات حكومية فاعلة. ولقد نسي السيد بوش ذلك العامل الديني الذي حرك ويحرك العراقيين دوما رغم انهم غير متدينين بالمعنى الكامل والتناقضات الكثيرة التي يحملها العراقي في شخصيته والتي يعجز السيد بوش وغيره من غير العراقيين ان يفهمها. ولكن السؤال الجدير بالطرح وعلى السيد بوش ذو الاهتمامات التاريخية الإجابة لكي يحصل على البراءة التامة.. إذا كنت تعلم وتحترم المؤسسات العراقية الفاعلة الحكومية، فلماذا الغيتها وسمحت بتدميرها من قبلكم واولها الجيش العراقي ثم الدوائر والمؤسسات الحكومية المدنية والكثير منها كان ليخدم المواطنين وهي باقية سواء، بقي صدام او المحتل او لم يبق؟
بقي ان نذكر ان السيد بوش لم يخفي انه كان يخطط لعراق جديد بقيادة قوية او بدكتاتور شيعي بالتحديد ولو يحظى بالحد الأدنى من المقبولية في ظل عملية انتخابية مقبولة وربما وجد ضالته في السيد نوري المالكي اذ يصف المالكي بانه (ودود وصادق ولكنه لم يكن محنكا في السياسة) ص482 ثم يقول في مكان اخر عن المالكي: (كانت شجاعته الشخصية هي البذور التي كنت امل ان ننميها، حتى يصبح المالكي الزعيم القوي الذي يحتاجه العراقيون.) ص487
ومن قال يا سيادة الرئيس اننا كنا نحتاج قائد قوي او دكتاتور جديد! اننا نحتاج فقط لقانون قوي وديمقراطية حقيقية تناسب مقاسنا الحقيقي ليست فضفاضة جدا ولا ضيقة جدا، منا وفينا وتحترمنا. ان النيات وحدها لا تكفي فكيف ان كان مشكوك في صدقها.
يا سيد بوش: لقد بحثتم عن دور تاريخي في محاربة الإرهاب في ارض العراق، ولكنكم في النهاية دخلتم التاريخ فعلا في المكان الخاطئ بالنسبة لكم والذي لم تكن تتمناه، فخسرتم التاريخ، واستمر الإرهاب يعصف بالعراق، ولقد وقعتم فيما تخافون منه عند كتابة هذه المذكرات، الشعور بالذنب فيما جرى للعراق بأيديكم ثم كنتيجة الوقوع في حكم التاريخ الذي لا يرحم. فلا نلتم هذا ولا ظفرتم بذاك.
[email protected]