22 نوفمبر، 2024 11:26 م
Search
Close this search box.

قلبُهُ طائرٌ للحنين في رثاء جهاد هديب

قلبُهُ طائرٌ للحنين في رثاء جهاد هديب

في الشهور الأخيرةِ وخلال زياراتي المتكرِّرة لاحدى مكتبات حيفا علقت عيناي بديوان وردي اللون صغير الحجم.. أسمه (قبلَ أن يبردَ الياسمين) للشاعر الأردني الفلسطيني الراحل جهاد هديب.. طبعاً كأنَّ في الأمر مصادفة غريبة في مكتبة تحوي مئات الآلاف من الكتب والدوريات في مختلف العلوم الإنسانية والآداب.. أتناول الديوان الصغير لأقرأ عدَّة قصائد هامسة ورقيقة كأنَّها حيكت بجناحِ فراشةٍ ثمَّ أمضي بعد ذلك إلى قراءات مختلفة بعد أن يفتح لي هذا الديوان الصغير بحجم ورقةِ زنبق مصراعَيْ مكتبة عملاقة.. منذ عدَّة شهور وأنا أنزل الدرج المؤدي إلى قسم الآداب في المكتبة الكبرى يتحرَّشُ بي ديوان شاعرٍ لم أقرأ له كثيراً ولكن لا أخفي إعجابي بمقالات ونصوص أدبية له كانت مبعثرة في عدد من الجرائد المحلية والعربية.أعجبني نثر جهاد جداً بيد أني لم أعثر على ما يروي شغفي منه فلم أجد له سوى مقالات قليلة ومحدودة جداً على الشبكة العنكبوتية.. خلال اليومين الأخيرين فاضتْ مواقع التواصل الاجتماعي برثائيات ورسائل محبة للشاعر الراحل الذي كان صديقي افتراضيا ولكن لم يتح لنا التواصل لمرضهِ الذي أبعدهُ في الفترة الأخيرة عن محبيهِ وأخلصِ أصدقائهِ.. أكاد أقول أنه لم يتح لشاعر عربي آخر بعد محمود درويش أن يُرثى بكلِ هذه المراثي والنصوص التي تطفح مرارة وحزناً وألماً ووجداً وإن من على صفحات الفيسبوك لموتهِ التراجيدي وهو في نضارة الشبابِ وفورةِ الإبداع لما تمتَّعَ به من صدقِ حسٍّ إنسانيٍّ في الكتابة والحياة.. منذ يومين وأنا أفكِّر لماذا لم يجمع الشاعر الراحل مقالاته الأدبية التي نشرها في الصحافة العربية خلال ما يقرب من ربع قرن.. وهي في نظري إرثٌ أدبيٌّ عظيم لا يجب أن يُغفل ويبقى في أرشيف الصحف التي عمل بها الشاعر؟لا أعرف لماذا ذكَّرني موت جهاد هديب بموت شاعر آخر غنَّى أجمل القصائد الرعويَّة ليسَ في الشِعر الأردني خاصَّةً بل في تاريخ الأدب العربي الحديث كلِّهِ وهو مواطنه حبيب الزيودي الذي رحل هو الآخر قبل ما يقرب السنوات الثلاث وفي منتصف شهر الخريف وأواخر أربعينياتِ عمرهِ القصير.. لا بدَّ أن موت الشاعر خسارة فادحة لمعانٍ ولرموزٍ كثيرة.. أو هيَ بالأحرى ضربة قاصمة لحلمٍ بريءٍ بالجمالِ والحريَّةِ.. هكذا كلَّما رحلَ شاعرٌ عنا نقصتْ السماءُ نجمةً وقلَّ منسوب مياهِ المحبَّةِ في الأرض.. كما أنَّ لحظةَ رحيلِ شاعرٍ أو عاشقٍ تحتزنُ في طيَّاتها عذابات عصور وأحزان شعوبٍ بأكملها.. وداعاً أيها الطائرُ المغنِّي الذي تركَ في خلايا الهواء وفي حنايا القلوب الكثيرَ من أقواسهِ القزحيَّة الصادحة إلى ما لا انتهاء.. وداعاً.

أحدث المقالات