لوحة الظلم عبر التاريخ، هي نتاج مجموعة من الطغاة تفننوا بالتعاقب برسم ملامحها، وخطوطها العريضة بسيوفهم التي تقطر الدم. لكن الملاحظ منذ ما يقارب القرن من الزمان والى يومنا هذا، انفراد ريشة طاغية واحد فقط تقريبا، لرسم العالم بلون الدم والدموع.
انه امريكا، التي تئن البشرية تحت وطء سياطها التي لا ترحم، ولا تزال.
فهي لا تلبث تجلد الشعوب المغلوبة على امرها كل يوم باسم التحرر والديمقراطية والمساواة وحقوق الانسان والمنظمات الاممية و …
الى غير ذلك من العناوين الفضفاضة التي تضفي الشرعية على غطرستها، ونهجها البربري.
ولو قدر لشعب ما التخلص من شرها واخراجها من الباب، فستدخل اليه لا محالة من الشباك وبلمح البصر، وذلك طبعا تحت احد العناوين والمسميات اللعينة اعلاه.
سواء بصورة سائح، باحث، ناشط مدني او في منظمة انسانية، خبير عسكري، سلك دبلوماسي وتحالف دولي و …
انها باختصار، كائن طفيلي خبيث، يعيش على دماء الشعوب.
وهذه الحقيقة ليست خافية على احد.
لكن المصالح تارة، وعامل الخوف وربما قلة الحيلة تارة اخرى و …. قد تحول دون البوح بما يختلج في الصدور، اذ : ( ليس كل ما يعرف يقال ).
ولو انك سالت كل من يتمتع ولو بقراءة متواضعة للاحداث، وفي كل اصقاع المعمورة، وقلت له :
من باعتقادك، السبب الرئيسي الذي يقف وراء بؤس العالم وانينه طيلة هذه السنين العجاف ؟!!…
لاجابك على الفور ومن دون عناء البحث والتفكير، انها امريكا.
وهذا لا يعني ابدا، ان المدارس والايديولوجيات الاخرى غير الراسمالية، كالشيوعية مثلا هي منزهة، وانها ستاخذ بيد البشرية نحو جنة الارض الموعودة، والمدينة الفاضلة، وبر الامان.
لكنها قد تكون اهون الشرين كما يقال، خصوصا لو اخذنا بنظر الاعتبار الجانب المعنوي والاخلاقي للحياة.
والذي لا وجود له اساسا في قاموس الغرب وابجدياته.
ادناه، ثلاثة امثلة استقيتها من واقع عالمنا المر، اظنها كفيلة باماطة اللثام عن الوجه القبيح لامريكا، ودورها في زعزعة الامن والاستقرار العالميين.
المثال الاول :
محليا، نقف في العراق، حيث استبدال الدكتاتور بالفاسد.
استبدال دكتاتورية صدام حسين وحزبه الدموي، بفساد نوري المالكي ولصوص الخضراء.
وكلاهما طبعا، صناعة امريكية خالصة مائة بالمائة.
المثال الثاني :
على مستوى المنطقة، استبدال القاعدة بداعش.
فوكالة المخابرات المركزية الامريكية ال ( سي آي إيه )، التي طالما كانت مشغولة في ثمانينيات القرن الماضي – كما هو الشائع – بتمشيط لحية زعيم تنظيم القاعدة اسامة بن لادن وترتيب عمامته ليل نهار، كي يتفرغ هو لمواجهة المد الشيوعي في افغانستان بالنيابة عنها.
هي نفسها التي استبدلته مطلع القرن الحالي بداعش الارهابية وزعيمها ابو بكر البغدادي.
حيث وفرت الدعم اللوجستي لاتباعه، والغطاء الجوي لقوافل سياراته الحديثة رباعية الدفع.
وذلك طبعا، استكمالا لفصول مسرحية الربيع العربي، وخارطة الشرق الاوسط الجديد، بعيون واشنطن.
المثال الثالث :
عالميا، احداث 11 سبتمبر 2001.
ووقعها الثقيل على كل ما هو شرقي – اسلامي الملامح.
في حين ان المتهم رقم واحد، الذي تحوم حوله الشكوك اكثر من غيره بضلوعه في تفجيرات نيويورك هذه، هو الادارة الامريكية ذاتها.
وحسبنا في ذلك، ما بات يعرف ب ( نظرية المؤامرة )، وملخصها :
… ((( انها عمليات تم السماح بحدوثها من قبل مسؤولين في الادارة الامريكية، او انها عمليات منسقة من قبل عناصر لا علاقة لها بالقاعدة، بل افراد في الحكومة الامريكية او بلد اخر )))…
من هنا، اجد من السذاجة بمكان، توقع النتائج المرجوة، وذلك بمجرد تسليط الضوء على النظام الفاسد، والوقوف بوجهه.
دون التركيز بالدرجة الاولى على الاصابع والخيوط التي تمنح ذلك النظام القوة والحركة والوجود.
والعراق بتجربته العقيمة اعلاه، حيث استبدال دكتاتور بفاسد، دون استئصال الاصابع والخيوط الامريكية التي تتحكم بالمشهد، دليل على ما اقول.
وبعبارة اخرى، فالقضاء على ملفي الفساد والارهاب، اللذان ارهقا العراق حكومة وشعبا، واغرقاه بالدم والديون.
مرهون لا محالة، بتقليص الدور الامريكي الى الحد الادنى على اقل تقدير، ان لم يمكن الغاؤه بالمرة.
فقد قيل : ( العرش ثم النقش ).
ختاما، وفي خضم هذا الغياب المطلق للعدالة عن وجه الارض.
ما هي يا ترى قراءة الله تعالى من فوق العرش، للعبث الغربي – الامريكي هذا بخلقه ؟!!…
كيف ينظر تعالى الى حطام مدننا الحزينة، واضواء مدنهم المبتسمة ؟!!…
كيف يستمع سبحانه الى انين اطفالنا تحت الانقاض، وصخب وضحك اطفالهم في مدن الملاهي والالعاب ؟!!…
واخير، ما هو تفسيره جلت قدرته لاحلامنا التي تموت في محراب العبادة، وفسقهم وفجورهم، وهم سكارى في بارات الرذيلة ؟!!…
يقول الشاعر فاروق جويدة في قصيدته ( عودة الانبياء ) :
ما بين شرقٍ جائرٍ
ما بين غربٍ فاجرٍ
الشمسُ تاهت في السماء
ما عاد فيكِ مدينتي شيءٌ ليمنحنا الضياء