25 نوفمبر، 2024 9:42 م
Search
Close this search box.

شعوب منكسرة

شعوب كثيرة في العالم حطمتها الحروب، سواء حروب خارجية او داخلية اهلية، اغلب هذه الشعوب، عاودت الحياة ونهضت من جديد بعد ان وجدت واختارت من هو قادر على قيادتها للنصر ليس في حروب جديدة اخرى بل النصر على الهزيمة التي لحقت بها وازالة اثارها، والامثلة كثيرة من اليابان في اسيا الى المانيا في اوروبا والى رواندا في افريقيا، فمن رماد الحروب صنعوا التقدم والتطور والحداثة، وتعايشوا مع انكسارهم كحالة دافعة للتطور والبناء والاعمار والتجديد بقوة وثبات وبمعرفة وبمنهج وبارادة شعب ينشد الحياة، حتى ايران التي تجرعت السم وقبلت على مضض هزيمتها في القادسية الثانية، عادت من جديد ولم تتوقف عند حدود العار الذي لحق بها، وهاهي اليوم تاخذ بثأرها اضعافا واضعافا من عراق مزقته الخيانة والتآمر والخنوع ..
الشعوب التي خسرت حروبها مثل اليابان والمانيا على سبيل المثال وليس الحصر، وجدت بعد الحرب وهي منكسرة من دول العالم القريبة منها او البعيدة من يساعدها على تجاوز الهزيمة والانكسار، وكان الشعبان الياباني والالماني مستعدين لبذل كل الجهود الممكنة لاعادة الاعمار والبناء ومن ثم التوجه نحو التطور والتقدم وهذا ماحصل في النهاية، وايران ايضا، بعد هزيمتها في القادسية الثانية وجدت في اخطاء السياسة العراقية وانزلاقها في محاولة العراق اعادة الكويت الى اصله، ومن ثم نزاعه مع العالم اجمع بسبب ذلك، فرصتها الكبيرة التي استغلتها بذكاء لمواصلة التقدم دون حسابات للدين والمباديء والاخلاق، واصبحت مناصرة الشيطان الاكبر واسرائيل امرا مشروعا مادام الهدف في النهاية هو تدمير من أذاقها الذل..
لكن العراق، هو البلد الوحيد، وشعبه هو الشعب الوحيد الذي وجد نفسه بعد الانكسار في الحرب كالاسد الذي ما ان وقع حتى تناوبت عليه الوحوش والدواب، كل يريد الاخذ بثأره، فالكويت اخذت اضعافا مما ليس من حقها، واسرائيل ردت علينا صواريخ سكود بالاف المفخخات والاحزمة الناسفة، واميركا وبريطانيا عوضتا عن حرمانهما من نفط العراق بعد تاميمه عام 1972 بالاستحواذ عليه حتى يوم القيامة، اما ايران، فقد نهشت باسنان الذئاب الكاسرة، وستظل تنهش ما دام الخزي والعار يلاحقانها الى يوم الدين..
وشعب العراق أيضا هو الشعب الوحيد الذي ما ان انكسر في حربه، حتى باع نفسه وضميره ووطنيته، فما ان ازيح صدام حتى صفق وهلل لكل من هب ودب ، محتلين مستعمرين، وخونة ومأجورين، ولصوص وقتلة فاسدين واذلاء خانعين، وراح الكثير من العراقيين يحلمون ويتمنون بعد نصف قرن من الحماس الثوري الوطني والشعور القومي المتصاعد، تجريب ان يكونوا لوهلة من الزمن جواسيسا لاسرائيل واميركا وايران وغيرها بثمن او بدونه، كجزء من الثقافة الديمقراطية التي خدعتنا باحلام الحرية والسعادة والتقدم، وراح الجميع ينادي بالديمقراطية دون ان يتفهم اننا لم نكن آنذاك ومازلنا ايضا مؤهلين للتنعم بها، لانها كنظام لايمكن ان يتماشى مع الجهل والتخلف من جهة ولايمكن ايضا ان يستمر وينمو مع سطوة الاحزاب الدينية كما هو حاصل الان، والديمقراطية في الشعوب المتخلفة اشبه بمسدس بيد طفل، واشبه كما يقال ان تضع مصيرك بيد الحمير، فنحن لا نختلف عن بقية الشعوب المسلمة التي تعبد الاشخاص قبل الله، وتعبد الماضي دون الاهتمام بالحاضر، وما المستقبل بالنسبة لها الا غيبا كتبه الله وعلينا القبول به..
ولم تمض ايام على الاحتلال حتى ظهر الالهة الجدد امثال الصدر والحكيم الاب والعم قبل موتهما ليستعبدوا شعبا باع نفسه قبل ان يقبض الثمن، ليصبح الوحيد بين شعوب العالم مطيعا مؤمنا بحكم العملاء المأجورين علنا دون حياء وكرامة ، والوحيد ايضا بين شعوب العالم ينتخب برلمانا يمثل مصالح المحتلين وكل من يدفع له اكثر وليس مصالح شعبه، وهو ايضا الشعب الوحيد في العالم الذي سجل رقما قياسيا في عدد الجواسيس والعملاء فيه لصالح اعداءه، وهو الشعب الوحيد ايضا الذي جعل الفساد ثقافة ومنهجا يوميا، وهو ايضا الشعب الوحيد الذي يمارس الدعارة باسم الدين، ويمارس السحر والشعوذة والخرافات اكثر مما يمارس الزراعة والصناعة والعمل، وهو الشعب الوحيد الذي تحولت عشائره الى ميليشيات وعصابات ، وهو ايضا الشعب الوحيد الذي يدعي الايمان والكفر في وقت واحد..
ولكن مازالت هناك لشعب العراق بقية وهم الفقراء والجياع والمظلومين الذين لم يجدوا فرصتهم بعد ليكونوا عملاء للاجانب، او الذين مازالوا على طبيعتهم البشرية في حبهم للوطن، واولئك هم الذين ردد بعض منهم ذلك الهتاف ( ايران برة برة.. بغداد تبقى حرة) واولئك هم الذين حطموا اسوار الغبراء مرتين، وادخلوا الرعب في قوى الاحتلال وعملائهم، وهم الامل المتبقي وهم الذين مازالوا يبحثون عن الرجل، الرجل الذي بامكانه ان يحول الانكسار الى نصر مجيد[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات