عند كل انفجار يضع نفسه مع الشهداء، او الجرحى، دائما يزيد العدد واحدا، ويتوقع ان يأتي يوم يكون فيه جثة محترقة، تظهر على شاشات الفضائيات، ويتصور من يفتقده بعدها، ويعلم ان الحكومة ستهدد وتتوعد، وبعد انقضاء ثلاثة ايام يطوى كل شيء وتنتهي الحكاية ويختفي هو من الوجود، درج على هذه العادة طويلا، حسن عبود راضي موظف في مديرية تربية كربلاء، لم يكن يشغله شيئا سوى دوره الحقيقي في مسلسل الموت اليومي، ومتى يتذكره المخرج بعد هذا الانتظار، كان يهيىء نفسه يوميا فيحاول ان يرتدي الملابس الداخلية الجديدة، متوقعا انه سيجرد من ملابسه في انفجار كبير، فكان يتهيأ لموته يوميا، وكأنه عريس يفكر ان يعجب حبيبته، مازال يسمع بالانفجارات، وشاهد القليل منها، لكنه لم يكن يوما من ضحاياها، ولذا كان يتحرق شوقا ليشعر بذات الشعور، فليفرح الدفانون، انها فرصتهم، لقد صار عملهم مجزيا جدا، وامتدت المقابر على مساحة العراق ، لم يعد هناك متسع من الارض بحجم الموتى، طويلا ماكان يسأل نفسه: ماهو الموت؟ وهل هو النهاية الحقيقية ام ان هناك اشياء اخرى تعقبه، لايتبلد كما هم رجال الدين، ويتكلم عن الموت كأنه غول كبير، لا انه صديقنا من اعوام عديدة.
هو من يريحنا من عبء هذه الحياة وكثرة الفرق والاختلافات، الكل سيموت ويندثر وينتهي كل شيء، وسيأتي من يأتي ليمارس ذات اللعبة، لكن باسلحة اكثر رحمة، لم يكن السيف سيئا، لكنه في الماضي لم يكن ليحصد هذا العدد من سنابل القمح، اما الآن فانت لاتكاد ان تشعل سيكارتك حتى يختفي الجميع، ربما يكون موتا رحيما، ساحمل نعشي واذهب الى هناك، في الصباح الباكر ايقظ زوجته، وقبلها على جبينها، مر على الاولاد، فسألته مابك؟، فقال: يكفي ما رأيت اريد الرحيل فقد انتظرت طويلا، هل ستعرج على والدتك لتسلم عليها؟، نعم ساذهب اليها، كنت احب الحياة لاجلها، والحمد لله انها رحلت ، والا فمنظر موتي سيكون مؤلما جدا لها، تعرفين كم تمنيت ان ابقى على قيد الحياة لاجل والدتي فقط، لانني اعلم مدى حزنها حين اموت، ولذا تجاوزت ازمات وحروب لابقى على قيد الحياة، زوجته ضحكت من افكاره السوداء: الموت بيد الله وليس بيدك، لاتتكلم هكذا وكأنك ملحد، انت رجل مؤمن وتعرف الله، رد عليها بغضب: هل تستطيعين ان تقولي لي اين الله مما يجري؟، لو كان صانع دمى لحزن على دماه وهي تحترق وانتقم من القتلة، انا اعرف ان من يصنع شيئا او يكتب قصيدة يحبها، فهل من المعقول ان الله لايحبنا.
اجهشت زوجته بالبكاء ، هكذا يريد هؤلاء ان يخرجونا من ديننا ويلقون بنا في غياهب المجهول، ولج بابه يامجهول، كلشي ماكو مو شفت امي من دفنوها، مو ذبوا عليها لوريين اتراب، شيطلعها بعد، نهرته بشدة وهي تردد استغفر الله ، استغفر الله، وشنو هذا العلم تشيله وياك دائما؟، هذه العلم سيوضع على جثتي في يوم ما ، افضل من ان يتبرع احدهم فيضع كيس نفايات فارغا فوقي، حتى عنوان البيت احمله معي، اسماؤكم، ارقام هواتفكم، لا اريد ان اتعب احدا عند موتي، تصوري انني هيأت معاملة التقاعد، ماعليكم الا ان تأخذوا كتاب تأييد الى مديرية التقاعد العامة، فالاضبارة كاملة، انا فقط حزين على شيء واحد، كنت اود ان اخرجكم من هذه البلاد، لانني واثق من دوري الذي سالعبه، شهيد من بين الشهداء، رقم عادي جدا ، ربما يأتي اسمي في المقدمة بقائمة الطب العدلي، او انه سيكون آخر الاسماء، لكنني ساذهب وانا ممتلىء بالخشية عليكم، لو كنت اخرجتكم من هنا لارتحت.
حزم امره وهو قد قرر من مساء الامس ان يذهب الى بغداد، ويطلع على شهداء الكرادة، فالانباء متضاربة، منها من قال انهم اكثر من سبعمئة، وآخرون قالوا اكثر بكثير، ومنهم من جعلهم 290، مع عدد من المخطوفين الذين حملتهم سيارات الاسعاف التي لاتضع لوحة حكومية، ومنهم من لم يمت بالتفجير وانما مات باطلاقة في الرأس، يتكلمون عن صفقة كبيرة بين الحكومة واميركا وداعش، راح ضحيتها هؤلاء الشباب المساكين والنساء المسكينات والاطفال، ليتصور احدكم ان وطنا يقتل فيه الاطفال، مامدى تعاسة هذا الوطن وظلامه، في كل العالم الاطفال ورود المجتمعات، الا هنا فهم حطب لنار الحروب الطائفية المستمرة على ايديولوجية بدأت تتراجع امام جميع الايديولوجيات، طبقات من المثقفين والكتاب ، جميعهم يصور نفسه بانه خروف عراقي ينتظر دوره، ولايستطيع ان يفضح دور المخابرات الدولية خشية ان يأتي دوره بسرعة، لايمكنني ان اعيش بمجتمع يقتل الاطفال، والنساء، او يجعل منهم ارامل ويتامى وامهات ثواكل، اندفع بسرعة كبيرة يعد لافتات الشهداء، وصل الى منتصف اللوحة الكبيرة، شاهد لافتة فارغة، وقف يتأملها بعمق، سقط مغشيا عليه، جاء احدهم سحب العلم العراقي من يده وضعه على جثته، كان يسمع الصيحات: اخوان هذا شهيد آخر.