إستطاعت الحكومة أخيراً أن تفصح عن برنامجها الإقتصادي في مواجهة الضائقة المالية التي تمر بها البلاد على خلفية إنهيار أسعار النفط، والتي لوحت عنه خلال الأزمة برفقة سلسلة من الإجراءات التقشفية، والرسوم الضريبية، والإستقطاعات التي طالت رواتب الموظفين والمتقاعدين، وكان باكورة هذا البرنامج القروض الخارجية والذي دشن مع صندوق النقد الدولي بإشتراطاته المعهودة، فيما لم نلمس أية خطوات حقيقية للنهوض بالزراعة والصناعة كمورد رديف للنفط.الحكومة عدت الإتفاق الذي توصلت اليه مع الصندوق لإقراضها 13 مليار دولار بالمنجز الذي يحقق أهدافها المطلوبة، كما جاء على لسان محافظ البنك المركزي وكالة، على العلاق، مشيراً الى أن “المبلغ جاء لدعم الموازنة وتقليل العجز الموجود”، مؤكداً أن “فائدة الإقتراض من صندوق النقد الدولي, ستقوي موقف العراق المالي العالمي”، مبينا انها ستحقق اهداف العراق المطلوبة، وكما هو المعتاد فإن المقترض دائماً ينظر الى المبلغ الذي أصبح في حيازته كجزء من رأس ماله، من دون أن يفكر بما ألزم نفسه من شروط للمقرض، وهذا في القروض التي تجري بين الأشخاص، أما بين الحكومات ومؤسسات مثل صندوق النقد الدولي، فلابد من مراجعات دقيقة قبل إبرام الإتفاق على أي عقد، وهو مالم تلتفت اليه الحكومة، خاصة أن الشروط التي يفرضها الصندوق تخرج أي قرض من طابعه الإقتصادي الى السياسي، وهذا بالتأكيد ينسجم مع طبيعة التركيبة الدولية التي ترسم سياساته مع الدول، ولاسيما النامية منها حيث تتحول الشروط الى نوع من التبعية وإنتهاك السيادة الوطنية.لاشك أننا إزاء أزمة خانقة، والبلاد تتجه نحو منحدرات خطيرة سياسية واقتصادية، بل وحتى إجتماعية، وشبح الإفلاس باتت ملامحه تتضح، وهو ما كشف عنه رئيسُ اللجنةِ المالية النيابية النائب فالح الساري مؤخراً بإعلانه أمام رؤساء الكتل النيابية “اَن ما تبقى في خزينةِ الدولة هو مليار دولار فقط، في حين اَن الموازنة التي اُقـِـرت لهذا العام تبلــُغ 105 تريليونات دينار، وان نحوَ 4 الى 5 تريليونات تذهبُ شهرياً لرواتب الموظفين”، ومع خطورة هذا الوضع فإنه لايمكن الرهان على القروض في تجاوز الأزمة، أو حتى توفير الرواتب للموظفين، فيما ننتظر ظرفاً طارئاً يعيد العافية لأسعار النفط، وتحقيق ميزانيات إنفجارية كالسابق من التي بددت أو سرقت، لكن فاتها أن مثل هذه الميزانيات إن حصلت مرة أخرى فإنها ستكون من حصة فوائد القروض، ولك أن تتصور قيمة الفائدة للقرض الأخير والبالغ 1,5في المائة، وبلغة الأرقام يعني ان مقدار الفائدة السنوية سيكون 195 مليون دولار، وكلما طالت فترة التسديد فان التكاليف الإئتمانية ستكون باهظة، ناهيك على الإشتراط الذي وضعه الصندوق على قرضه وهو تسوية مستحقات الشركات النفطية العاملة في العراق وتجنب تراكم مستحقاتها البالغة 6 مليارات دولار، الى جانب الشروط التي تمس المواطن محدود الدخل أو معدومه بالصميم والتي تتعلق بتقليص او ايقاف الدعم الحكومي و مراجعة مفردات البطاقة التموينية البائسة وتخفيض دعم اسعار الطاقة المفقودة وتقليص الانفاق على الأجور والرواتب وتقليص الخدمات، ولا عزاء لإبن الخايبة.