14 نوفمبر، 2024 9:01 م
Search
Close this search box.

مالم يذكره السيد صبحي ناظم توفيق عن عبد السلام محمد عارف

مالم يذكره السيد صبحي ناظم توفيق عن عبد السلام محمد عارف

أورد السيد صبحي ناظم توفيق معلومات عن زيارة المشير عبد السلام محمد عارف رئيس الجمهورية الى البصرة التي انتهت بمأساة سقوط الطائرة في النشوة ومقتله مع جميع من كان معه في الطائرة بما فيهم محافظ البصرة محمد الحياني. ويشير الى استقبال “حافل” للرئيس عند وصوله الى مركز المدينة في العشار من قبل الجماهير البصرية. وكشاهد عيان اقول بمنتهى الأمانة أن هذا “الإستقبال” لم يكن حافلاً البتة بل كان بارد جداً، وكنت حينها طالباً في الاعدادية المركزية عندما طلب مدير المدرسة القومي، والبعثي لاحقاً عبد الجبار الصابر من الطلاب الخروج والاصطفاف وتحية رئيس الجمهورية ، وكنا غير راغبين في ذلك، ومن قرر الذهاب، ومن ضمنهم انا ، اصطففناعلى طول الشارع الممتد من ساحة ام البروم حتى بناية المحافظة مروراً بمعاونية شرطة العشار، وبناية جمعية الهلال الأحمر، وكان هناك ايضاً جمهور بسيط دفعه الفضول لالقاء نظرة على الضيف القادم. انتظرنا طويلاً لكن الموكب لم يظهر فبدأت الناس تتململ وفجأة سُمعت حركة وهرج ومرج في بداية ساحة ام البروم يرافقها بعض التصفيق والصيحات فتوقعنا ان الموكب قد وصل، لكن الامر لم يكن كذلك ، واقسم اني اقول الحقيقة ، وتبين أن كلباً سائباً دخل عن طريق الخطأ الى الشارع الذي اصطف الناس على جانبيه فتحاصر ولم يحر كيفية الخروج منه وظل راكضاً الى الامام ، فكان منظراً مضحكاً بحق فصفق بعض الناس له مطلقين بعض التعليقات . ولم يمر وقت طويل حتى ظهر موكب الرئيس وكان يقف في سيارة مكشوفة ، وقد بدت عليه آثار النحول الشديد بعد أن كان بديناً ، وبدأ يومئ بيده للجمهور الواقف، الواجم الذي كان في منتهى اللاأبالية والاكتراث أزاءه ، ولم يطلق أية بادرة هتاف بالتحية أو التصفيق له فظهرت علامات الانزعاج على ملامح وجهه. وفي رأيي أن السبب في ذلك هو أن أهل البصرة لم يغفروا له ماقام به من عمل غادر ودنئ باعدامه رفيقه الزعيم عبد الكريم قاسم حبيب الملايين الفقيرة من العراقيين في 9 شباط في دار الإذاعة رغم انه كان صائماً
مثله، وبعد أن وعده بارساله الى خارج العراق لكنه حنث بوعده وقتله بالتعاون مع شلة أخرى من المتآمرين القتلة من البعثيين والقوميين الذين عفا الزعيم عنهم بعد ادانتهم من قبل محكمة الشعب برئاسة فاضل عباس المهداوي الذي اعدم معه. وكانت هذه المحكمة قد ادانت عبد السلام بتهمة التآمر وحكمت عليه بالإعدام إلا أن الزعيم أبقى امر الإعدام في درج مكتبه ، ولم يوقعه ، بل ذهب ابعد من ذلك ، وأخرجه من السجن وابقاه رهن الاقامة الجبرية في بيته قريباً من أطفاله وزوجته لأن الزعيم اعطى لأم أحمد، زوجة عبد السلام، وعداً قاطعاً بأنه سوف لن ” ييتم ” أطفالها لأنه لم ينس عشرة العمر، والزاد والملح ، والمسيرة العسكرية والسياسية المشتركة الطويلة لهما قبل الثورة ، ولأن الزعيم لم يكن سفاحاً متعطشاً للدم ، وكان يؤمن بالمبدأ القائل” العفو عند المقدرة”. يشير الاخ صبحي الى مظاهر التدين عند المشير وإنه كان على درجة كبيرة من الايمان والورع، فإذا كان كذلك فلم لم يقمْ بدفن الزعيم ورفاقه بشكل لائق ؟ ولماذا سمح للضباط البعثيين والقوميين المتآمرين الذين استكثروا عليه كفناً بسيطاً يليق به، كمسلم على الأقل، بل وضعوا جثته في ” كونية ، كيس رز” وربطوها بصخرة كبيرة وألقوها الى نهر دجلة، لتصبح في قاعه طعماً للأسماك. اتمنى من الاخ صبحي ناظم توفيق أن يدلي بنظرية مقبولة يفند بها ماذكرته عن صفات الغدر عند عبد السلام عارف. لقد كان عبد السلام قومياً عروبياً مهووساً بفكرة الوحدة الفورية مع مصر، وتقاطع بذلك مع الزعيم عبد الكريم الذي لم يكن أقل حماساً من للعروبة ولقضية فلسطين لكنه كان يرى أن الوحدة الفورية لا تناسب العراق، بل الاتحاد الفيدرالي مع الجمهورية العربية المتحدة وكان هذا سبب خلافه الرئيسي مع عبد الكريم قاسم. إضافة الى ذلك شعور عبد السلام بالغبن الذي لحقه بعد الثورة لأنه كان يشعر انه الأجدر لأن يكون قائداً لثورة تموز بدلاً من قاسم الذي حصد مازرعه عبد السلام الذي تحمل اكثر المسؤوليات خطراً في تخطيط وتنفيذ ثورة تموز 1958 لكنه لم يحظ سوى بمنصب النائب، فحاول أن ينقلب على عبد الكريم ويغتاله في وزارة الدفاع إلا أنه لم ينجح بذلك ، فاعتقل وقدم الى المحكمة العسكرية الخاصة التي حاكمته واصدرت حكمها عليه بالاعدام بسبب التآمر لكن الحكم لم ينفذ للأسباب التي ذكرناها.
إضافة الى اقترافه هذه الجريمة الغادرة البشعة كان عبد السلام عارف معروفاً بطائفيته التي لايتحرج من إظهارها كلما سنحت له فرصة، وأورد على سبيل المثال حادثة وقعت أثناء زيارته
لقضاء الزبير في البصرة عندما نائباً للقائد العام ، ولم يكن اختياره للزبير عفوياً لأنه يعرف أن أغلب سكان هذا القضاء في ذلك الوقت هم من السنة فالقى عليهم خطبة، وهي كبقية خطبه تتميز بالإرتجالية وركاكة اللغة.. وجاء في بعض مقاطع هذه الخطبة مايلي: لقد قالوا عنكم، ويقصد الامام علي يا أشباه الرجال حين خطب في أهل البصرة عشية موقعة الجمل، وأنا( أي عبد السلام) أقول لكم انتم الرجال ونعم الرجال. ودأب عبد السلام في خطبه على هذا المنوال من العفوية والارتجال الى ” التجفيص” حين قال ذات مرة ، وحدة عربية ، جمهورية لاشرقية لاغربية ، وحدة خاكية من زاخو للفاو .. الخ ..
والغريب في هذا الرجل الذي استقتل كثيراً من اجل قيام الوحدة وخوّن وغدر برفيقه عبد الكريم قاسم لم ينفذ وعوده بالاندماج بوحدة فورية مع الجمهورية العربية المتحدة بعد انقلاب رمضان الدموي عام 1963 وبعده في 18 تشرين الثاني من نفس السنة.
لكن لعبد السلام حسنة واحدة يذكرها له التاريخ وهي انقلابه العسكري في 18 تشرين الثاني 1963 على رفاق الامس من البعثيين والقضاء على حرسهم القومي البغيض الذي اقترف الكثير من جرائم التعذيب والتصفية ضد الشيوعيين بوجه خاص والقاهم في السجون لكن لفترة وجيزة سرعان ما خرجوا منها وبدأوا بالتآمر مجدداً على عبد السلام عارف ونظام حكمه. وهذه الحركة التصحيحية تشببه الى حد بعيد الحملة التي التي قام بها نوري المالكي واطلق عليها صولة الفرسان ضد ميليشيات جيش المهدي في 2008.
من الافعال القبيحة التي قام بها عبد السلام عارف التي زادت الناس كراهية له في البصرة هي تنفيذه حكم الإعدام العلني بعد اسبوع او اسبوعين من انقلابه بإثنين من قادة الشيوعيين في البصرة وهما عبد الله رشيد وكريم حسين اللذين وجهت لهما التهمة عام 1959 بالمشاركة بقتل احد القوميين او الناصريين في منطقة المعقل، لكن عبد السلام لم ينفذ اي حكم بحق البعثيين الذين اقترفوا جرائم القتل والتعذيب المهولة في جميع انحاء العراق. لقد شمت أهل البصرة بموت عبد السلام محمد عارف للاسباب التي ذكرناها أعلاه، وراجت حزورة شعبية عن حدث سقوط واحتراق الطائرة تقول ” من الذي صعد لحم ونزل فحم؟ “.

أحدث المقالات