18 ديسمبر، 2024 11:09 م

هذا المفهوم يتداوله عادة المتقاعدون، وهم اكثر الناس شعورا به عندما يركنون بعد اهمية نالوها بالجد والمثابرة، ليودعوا الكرسي الذي شغلوه مدراء او رؤساء اقسام، في الايام الاولى يتصل بهم البعض ممن لم ينس الصحبة او الفضل، وبعد ذلك يختفي كل شيء، فتصبح الكارثة واضحة، انا مهمل ، لست منتجا، ليست لي اهمية، هذه  المصطلحات تبدأ  بالتسلل الى الانسان وكأنها مطرقة تطرق رأسه، استيقظ صباحا بعد ان شاهد صديقه الافتراضي على شاشة التلفزيون، ربما طريقته التي استخدمها معه  قبل ست سنوات، عاد فاستخدمها مع مقدم البرنامج ليظهر على الشاشة، عادت به الذكرى وهو يتأمل ذلك المتملق، الذي اتصل به لينشر له قصيدة على صفحة الجريدة التي يعمل بها، وايمانا منه بالشباب، شذب ورتب وحاول مع  القصيدة لتظهر بحلة رائعة، لم تكن القصيدة الوحيدة، فقد تبعتها قصائد اخرَ، وضع معها لوحات تشكيلية تعبر عن مضمون هو رآه يستحق  النظر قبل القراءة، كان الشاعر المبتدىء يسمع كلامه ويطبقه، ويضع اللايكات على منشوراته  ويعلق بطريقة جميلة، ترك صاحبنا العمل  بالجريدة، فاختفى صديقه الشاعر ما ان اخبره هو بذلك، لم يعد يسأل او يعلق او يعجب بشيء، ذلك الصباح كتب مقطوعة صغيرة:
اصدقاء الكرسي كثيرون
اياك ان تترجل عن صهوته
فتفقدهم جميعا
كان في بعض هواجسه يعذر ذلك الشاعر، ويحاول ان يجد له المبررات، انه صغير السن ويمتلك من حماسة الشباب الكثير، ويتصور ان الشعر متجرا ربما يدر عليه  مايدر، هو بعد لم يتقن اللعبة، ولايعلم ان الشعراء يشتهرون عندما يعجزون في النهاية حتى عن كتابة بيت شعري واحد، ويكون كل شيء قد انتهى والاضواء لاتغري احدا، الحواس تصبح غير طيّعة لمواضع الجمال، والجسد يصبح متثاقلا لايريد المسارح وحتى الظهور بفكين عاريين عن اللحم وباسنان مهترئة، لتكون كلمة (عمو)، او استاذ هي سيدة الموقف بدون بريق للعيون ولانظرات مخادعة.
هؤلاء اصدقاء الكرسي سيمرون بالحكاية ذاتها عندما يصلون في نهاية المشوار ومن ثم يترجلون، كرسي الحلاق هذا لايمكن ان يدوم لاحد، ولابد من هبوط مفاجىء او بطيء، ومن بعد سيبدأ فرز الاصدقاء، ويكون الامر بلا فائدة ايضا، كان بودي ان اقول له: احرص على كتابة منجز حقيقي، بدل طريقة مسح اللحى هذه، واطرح بضاعتك على الناس، فان كانت جيدة اخذوها، وان كانت رديئة تجاهلوها، هذا كل مافي الامر، فالمتنبي رغم انوف معاصريه استطاع ان يخترق جدار الزمن، واصدقاء الكرسي طالما كانوا بلاموهبة او كفاءة، يحاولون التعويض عن هاتين الخصيصتين بطرق اخرى لاتلبث ان تكون مكشوفة للقاصي والداني، هكذا كان يحدث نفسه وهو في عزلة ماقبل التقاعد ليكون مستعدا للامر ولايأسف لفقد اصدقاء الكرسي او اصدقاء الشهرة، ويكتفي بمالديه من هواجس.