18 نوفمبر، 2024 2:43 ص
Search
Close this search box.

من يؤرخ لمرحلة العراق الحالية

من يؤرخ لمرحلة العراق الحالية

حفلَ عصر الرسالة المحمدية بالكُتاب والمؤرخين المخلصين ،الذين نقلوا لنا كل خبر بأمانة وصدق المؤمنين من ـ أمثال آبان بن عثمان بن عفان(ت95 للهجرة).وهو محدث ومؤرخ في المغازي،الذي نقل لنا عن كل ما هو ثبت وصحيح. ويليه عروة بن الزبير(ت94 للهجرة)وهو فقيه ومحدث ومؤرخ،ويعتبر من مؤسسي مدرسة المغازي التاريخية،يمتاز بأسلوبه البسيط الواضح والبعيد عن الانشاء،كتاباته واقعية وصريحة وخالية من المبالغات والتعقيد. ويليه الزهري(ت124للهجرة)،وهو من المؤرخين الأوائل من كتاب المدينة الموثقة كتاباتهم،يعتبر شاهداً حياً على ما كتب،فلم ينقل الا ما رآى وشاهد وتأكد.ان أهمية المؤرخين الثلاثة تظهر لنا أهمية التجارب التاريخية التي مرت بها الامة.
ويلي هؤلاء من عمالقة مدرسة المدينة التاريخية ،المؤرخ موسى بن عُقبة (194 للهجرة)،واغلب كتاباته جاءت موثقة بسند،لقد استفاد من أستاذه الزهري كثيراً وخاصة من روايات المشاهدة والوثائق الثبت المتوفرة عند الزهري،فالزهري لا يكتب الا بسند. ويليه المؤرخ الفذ ابن اسحاق(ت151 للهجرة)والذي مثل الخطوط الجديدة في الكتابات التاريخية وخاصة في السيرة النبوية الشريفة،فلم ينقل لنا الا بعد فحص وتأكيد لما جاء في كتاباته،لذا جاءت السيرة المنسوبه اليه متكاملة ومترابطة ،وقد تالفت من ثلاثة مباحث هي: المبتدأ ما بين التكوين والمبعث، والمبعث، والمغازي.ومن يقرأ هذه السيرة بتمعن يرى ان المغازي ما كانت من اجل اجبار العرب على الدخول في الا سلام بقدر ما كانت نشرا له دون اكراه،ولم يقاتل الرسول الاخرين الا اضطرارا لحماية العقيدة الجديدة. ومع الاسف فأن ابن هشام المتوفى ف(218 للهجرة ) حاول تحريفها عن مسارها الصحيح بدوافع سياسية وشخصية لكنه فشل في ذلك،وبقيت سيرة أبن أسحق هي المعتمدة في النص التاريخي الموثق عند الباحثين.
وتلي مدرسة المدينة ،مدرسة العراق التاريخية ،ومن مؤرخيها أبو مخنف (ت157 للهجرة) وهومن الاخباريين ،كوفي الاصل والنشأة كتب في الردة والفتوح والخوارج والامويين.أستخدم اسلوب الاسناد في ذكر الروايات لكنه كان متسامحاً قي بعضها دون تدقيق لانحيازه نحو العراق ضد الشام وللعلويين ضد الامويين،مما أفقدة صفة الاعتدال في الكتابة التاريخية ،ومع هذا التوجه لا يعتبر من المتحيزين بمعنى الكلمة،لكون ما أورده كان متطابقاً لما سلف من بعض المؤرخين. ويليه عوانة بن الحكم(ت180)للهجرة والذي تخصص قي روايات الشعر والانساب ،لكنه لم يكن بمستوى ابن الكلبي في النسب.انه احسن من كتب في صلح الامام الحسن مع معاوية .لقد وصف بالاعتدال في نقل الخبر او النص التاريخي.
ومن مؤرخي المدرسة العراقية الاولى نصر بن مزاحم (ت180 للهجرة)وهو كوفي وهو احسن من كتب عن مقتل حجر بن عدي ورفاقه المناهضين للدولة الاموية ،ويوصف بأنه احسن من يعطي نبض الحياة
2
والحيوية للحادثة التاريخية لقدرته الوصفية المتناهية في اظهار الحقيقة. ويليه المدائني (ت225 للهجرة) والذي مثل اعلى درجات الدقة في تفاصيل الاحداث التاريخية وسند الرواية التي كتب عنها.وقي كتاباته الكثير من اخبار فتوح البصرة وخراسان وبلاد ما وراء النهر.
ولمدرسة العراق التاريخية جذورها العميقة على عهد المؤرخين الاوائل من امثال الزهري وابن الكلبي واليعقوبي والبلاذري وابن قتيبة الدينوري وغيرهم.وقد أنصب اهتمامهم على العناية بشئون الامة وفكرة الدولة وترابط المصير العربي المشترك ،وهي تصورات سبقت التصور القومي بأزمان بعيدة.
ان اهم ما ميز فكر المدرسة التاريخية العراقية الاولى هو الاهتمام بفكرة الحوار بين الجبرية كما روجها قادة الدولة الاموية ،وفكرة حرية الارادة كما روجتها الاحزاب المعارضة آنذاك.واحتل الصراع بين الشعوبية والتيارات العربية جانبا من اهتماماتها، لكن الافضل فيها والاحسن هو فكرة الاستمرار الثقافي بمفهوم الوحدة الثقافية في تاريخ العرب. ولم تتخلف هذه المدرسة عن وحدة الامة ،والنظرة العالمية للتاريخ كما في كتابات البلاذري .وحين نركز على تنوع المدارس التاريخية لا نقصد تجزأة المدرسة التاريخية العربية الاسلامية الى مدارس مختلفة في المنهج والتوجه،وانما نقصد ان المدارس بحزمتها المتوعة كونت المدرسة التاريخية العربية الواحدة الموحدة.
ان هذه الحزمة النبيلة من المؤرخين هي التي كونت النشأة الاولى لعلم التاريخ عند العراقيين،والتي وضعت له من الاسس ما نستطيع ان نقول عنه انه كان البداية العلمية للمنهج التاريخي في العراق.
وعلينا ان لا ننسى مؤرخينا في العصر الحديث الذين احتضنوا تاريخ الوطن ،وسجلوا لنا بكل امانة كل المفردات التاريخية التي نحن بحاجة لمعرفتها.ويقف عبد الرزاق الحسني في سفره الموسوم تاريخ الوزارات العراقية في المقدمة،ويلية المؤرخ الثبت جواد على في قاموسه العلمي الرفيع(المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام،ومن مؤرخينا الكبار الاخرين يقف كل من عبد العزيز الدوري واحمد صالح العلي وناجي معروف وعبد الجبار الجومرد ومحمود شيت خطاب وعماد عبد السلام وعبد الله الفياض ومحمد حسين الزبيدي وعبدالامير محمد أمين وغيرهم كثير .هؤلاء الذين دونوا لنا وبصدق الرواية كل ما دار من احداث الوطن العراقي المنكوب على مر الدهور.
نحن اليوم ندعو كل المؤرخين العراقيين لينبروا تحت راية الحق والعدل ومصلحة الوطن ليكتبوا لنا تاريخا وتقييماً محايدا ًعن الفترة العراقية ما بين 1958-2003 وما بعدها في ظل الحرية الفكرية المتواجدة على الساحة العراقية اليوم ،لتتصفح الاجيال الحاضرة والقادمة تاريخ العراق الذي مرغ بالوحل من الغرباء واهل الوطن ، لعلهم يدركون ان الطائفية والعنصرية والمحاصصة الوظيفية التي لم يعرفها تاريخ العراق من قبل لم تبقِ من تاريخنا من شيىء لم تبدله لصالح اعداء العراق فقد قسمته وجزأتة الى اقسام واجزاء حتى الاعياد لم تسلم منها ،حين اصبحنا نُعيد بعيدين لا بعيدٍ واحد وبأذانين مختلفين لا بآذان واحد. فهل ينبري اتحاد المؤرحين اليوم ليتولى المهمة من جديد بعد ان وصل السيل الزبى وطفحت الحناجر قهرا من ظلم الاخرين، أم سيصمت ويلحق بالسالفين؟
3
لم يعد بأمكان أحد السكوت على ما يجري لوطن العراقيين اليوم نهبا وقتلا وحرقا لكل مستقبله السياسي والاجتماعي حين وقع بيد الفئة الباغية الضالة التي لا تعرف الاكيف تنفذ مخططات الاعداء للتدميرمتذرعة بالحوارات الفارغة والسفسطائية المملة لتحقيق مصالحهاعلى حساب الملايين.حتى ادركها الشعب فمزقها شر تمزيق .
الاكراد من جهة ودول الجوار من جهة أخرى والقاعدة المجرمة من جهة ثالثة ليس لها سوى التدمير وقتل الابرياء .أمر محير هذا الذي يجري في العراق اليوم بعد التغيير .ان الولايات المتحدة الامريكية راعية العملية السياسية هي المسئولة بالدرجة الاولى على ما يجري خطئا وتقصداً في العراق، فهي التي جاءت بهم وهي الوحيدة التي تستطيع ان تزيحهم عن صدر الامة المنكوبة بهم‘ لتسجل لها تاريخ ،فهل سيسمع الرئيس آوباما اصوات المظلومين لينفذ ارادة الملايين من العراقيين .
[email protected]

أحدث المقالات