يقول مثلنا الدارج؛ (الحية تلدغ وتضم راسها)..! أرى في هذا المثل تجسيدا لشخوص هم اليوم في سدة الحكم، يتسيدون المشهد ولهم باع طويل في السيطرة على مجريات الأحداث بشكل او بآخر. والأحداث التي يدور فلكها اليوم في أركان عدة من البلد، أضحت تأخذ مسلكا آخر مغايرا لما عهدناه في مثيلاتها، وأخص في هذا موجات التظاهرات والاعتصامات على وجه التحديد، فمن أول نظرة حيادية منصفة يُطبع في ذهن متتبعها وبشكل جلي ان المطالب المعلنة ليست هي الغاية الحقيقية من عملية التظاهر والاعتصام وفحواه، فمن غير المعقول ان تتجدد المطالب وتتفرع الشروط وتتشعب الإملاءات مع سير مراحل تلبيتها، إذ أن تناسلها وتكاثرها بالانشطار بشكل يومي، يدل على ان هناك حواضن ترعاها وتعمل على تأجيج مشاعر المتظاهرين، وتأويل دراسة مطالبهم من قبل الجهات المعنية على أنه مماطلة وتسويف وإهدار لحقوقهم، الأمر الذي بات المتظاهر يعيه، فقد أدرك أن بعض مطالبه لن يطالها التحقيق، ولن تثمر طلعاته في ساحات التحرير وبوابات الخضراء والصفراء والزقاء شيئا مما يرتجيه، ذلك أن بعض مطالبه تفوق قدرات الدولة بمفاصلها ومجالسها ورؤسائها كافة، رغم أنها مطالب معقولة ودون مستوى الحقوق المشروعة، وبعيدة عن مستوى الأطماع، لكنه وجد نفسه مضطرا الى المجاهرة والمظاهرة لكسبها، بعد أن بلغ به يأسه من ساسته أضعاف أضعاف ماكان عليه إبان حكم النظام السابق. وصحيح أن السلبيات التي يعيشها البلد حاليا هي تداعيات مامضى، ونتاج تراكمات ما سبق من سياسات، والوقوع في مطباتها متوقع كنهاية أكيدة، وصحيح أن بعضها وليد العقود الأربعة الماضية يوم كان الحكم لنظام دكتاتوري، إلا أن أغلبها ولدت بعد زواله، وترعرعت في أحضان غير بعثية ولا صدامية، ولنا فيمن يتحكمون بصنع القرار اليوم خير مثال على هذا، فهم لايتوانون في النيل من البعث والبعثيين في كل محفل، ويدعون الى ابعادهم وإقصائهم عن مراكز السيادة والقيادة والرئاسة، وهذا قطعا مطلب جماهيري ولكن، هل نية متصدري واجهة الحكم خالصة في هذا؟ وبصياغة ثانية للسؤال؛ هل تم العمل بقانون اجتثاث البعث كما ورد ببنوده ومواده وفقراته؟ لاأظن أحدا ممن يتنفسون هواء العراق ويشربون من دجلته وفراته نائيا عن حقيقة مايجري، والإجابة عن السؤالين يسيرة بل بديهة لاتحتاج إثباتا وبرهانا، فكثير من ساستنا اليوم هم “بعثيون وإن لم ينتموا”..!
أعود الى فعاليات التظاهر والاعتصام التي أظنها العلاج ما قبل الكي، وما أدراك ما الكي؟ فهي الأخرى لم تسلم من الأيادي العابثة بمصير البلاد وملايين العباد، إذ يتزامن مع كل تظاهر واعتصام دس مفردات وشعارت هدفها إذكاء نار الفتنة التي خبا سناها وانطفأ أوارها، بفعل تلاحم أفراد البلد بطوائفه وشرائحه في محافظاته كافة، بعد أن بانت لعبة المغرضين وانكشفت الأهداف التي وراء انتهاجهم سبيل المكائد والدسائس.
وبامكان المتتبع والمراقب أيضا أن يلمس الدقة العالية في التخطيط والجهد المبذول لحرف التظاهرات عن هدفها السامي وغايتها النبيلة، وبالإمكان أيضا معرفة المال المرصود لها في كيفية دس عناصر مخربة وسط حشود المتظاهرين بهذا الكم، ومدى تكريس بعض وسائل الإعلام المرئي والمسموع والمقروء للتطبيل والتزمير لتشويش الرأي العام والتأثير عليه، بما يسهل تمرير مخططات هي ذاتها السائدة منذ ثلاثة عشر عاما. ومن المؤلم حقا أن يسهم ساسيون وأصحاب قرار في الدولة ومن يعتلون سدة الحكم بأعلى المستويات، إضافة الى رجال دين بتنفيذ تلكم المخططات، والتي تحركها أذرع في الداخل أكثر من تلك المستوردة من الخارج، وبدل ان يسهموا في تهدئة الأوضاع والحث على ضبط النفس، أخذوا يصبون الزيت على النار، حتى غدا لسان حال المواطن يقول شاكيا غدرهم:
من گلبي يطفي النار كلفته بيها رشرشهه گاز وگام ينفخ عليها