المؤلف الدكتور: محمد شحرور
في العديد من الآيات القرآنية الكريمة نجد مصطلحات متشابهة ومختلفة منها الأسلام والمسلمون،والايمان والمؤمنون،والتقوى والمتقون ، تقابلها في جانب أخر مصطلحات هي : الاجرام والمجرمون،الكفار والكافرون ، والشرك والمشركون.
وحين نعود للمعاجم العربية والتفاسيرالقرآنية وكتب الأصول ، نجد امامنا خلط واضح بين الشرك والكفر والاجرام ، وأمام ثنائية غائمة لا تفرق بين المسلم والمؤمن ، والاسلام والايمان ، وتجعل المسلمين مؤمنين والمؤمنين مسلمين والجميع أتباع محمد (ص). وهذا هو الخطأ الكبير الذي وقع به المفسرون والفقهاء منذ بداية استخدام التفسير الديني للنص وقراءة السيرة النبوية العطرة ولازالتت مؤسسة الدين متمسكة به دون تعديل. لذا نستطيع ان نقول ان بداية وضع الاصول كانت على غير هدى مما ولدت لدينا كل هذه الاختلافات الدينية والمذهبية الباطلة التي جنينا منها كل هذا الأفتراق في الفرق بين الفِرَق والتي أدت الى اشكالية كبرى في وحدة العرب والمسلمين.
يقول الحق 🙁 ان المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات،الاحزاب 35). نفهم من الآية الكريمة ان المسلمين والمسلمات شيء والمؤمنين والمؤمنات شيء أخر ،والثاني ان الاسلام يتقدم على الأيمان ويسبقه.
ويقول الحق:( ما كان ابراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً،آل عمران 67)، ويقول الحق:( ووصى بها أبراهيم بنيه ويعقوب يابني أن الله أصطفى لكم الدين فلا تموتن ألا وأنتم مسلمون،البقرة 132). ويقول الحق:( وجاوزنا بني أسرائيل البحر فأتبعهم فرعون وجنوده بغياً وعدواً،حتى أذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لأ اله ألا الذي آمنت به بنو أسرائيل وأنا من المسلمين،يونس 90).
نفهم من الآيات القرآنية أن ابراهيم ويعقوب والاسباط ويوسف وسحرة فرعون والحوارين ونوحا ولوطا ،كانوا من المسلمين،وان فرعون حين ادركه الغرق نادى بأنه منهم. وهؤلاء لم يكونوا من اتباع محمد(ص) فالحواريون من اتباع عيسى (ع) وسحرة فرعون من اتباع موسى (ع).
ونفهم من هذا كله أن الأسلام شيء والأيمان شيء أخر،وأن الأسلام متقدم على الأيمان سابق له، وأن المسلمين ليسوا من أتباع محمد(ص) حصراً . ونصل أخيراً الى السؤال الكبير المحير:ان كانت الشهادة والشعائر من أركان الاسلام ،فكيف يصح أسلام فرعون ؟ وهو لم يلتقِ الا بموسى، وأسلام الحواريين وهم
2
لم يعرفوا سوى المسيح أبن مريم،وأسلام غيرهم ممن أثبت التنزيل الحكيم اسلامهم ،وهم جميعاً لم يسمعوا بالرسول(ص) ولم يصوموا رمضان ولم يحجوا البيت الحرام ؟.
لقد أقامت كتب الأصول والأدبيات الاسلامية أركاناً للاسلام من عندها حصرتها في خمس ،هي التوحيد والتصديق برسالة محمد والشعائر ،مستبعدة العمل الصالح والاحسان والاخلاق من هذه الأركان، فألتقت دون قصد منها،بالعلمانيين والماركسيين من أصحاب مشاريع الحداثة والتجديد،ووقعت فيما وقع به اليهود والنصارى:أنظر ما قال القرآن الكريم فيهم: ( وقالوا لن يدخل الجنة الا من كان هوداً أو نصارى،تلك أمانيهم ،قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين،بلى من اسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون،البقرة 111-112).
فاليهود يحصرون الجنة باليهود،وما عداهم في النار، والنصارى يحصرون الجنة بالنصارى وما عداهم في النار، والتنزيل يعتبر ذلك كله أوهاماً منهم لا برهان عليها،ويصحح لهم أوهامهم بصراحة لا لبس فيها حين يقول: يدخلها كل من( أسلم وجهه لله وهو محسن) هنا العمل الانساني الصالح هو الأساس.
وحين نقرأ اركان الاسلام نجد ان الاسلام من وجهة نظرهم لايقبل الا ما زعموا الفقهاء أيضاً ولا يدخل الجنة الا أصحابه ،ونحن نسأل : أليس هذا بالضبط ماقالته اليهود والنصارى ،فتصدى لهم سبحانه في التنزيل؟،أن اركان الاسلام هي اركان الايمان عندنا وليس لكل المسلمين الحق في الاشتراك بها. كقوله تعالى:( ان الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتا،النساء 103). لقد خرب الفقهاء الاسلام باختراع المذاهب الاجتهادية الباطلة التي ادت بنا ولازالت الى الانقسام والضعف والموت البطيء،ولا زالوا مصرين .
ونحن نستغرب كل الأستغراب لماذا أستبعدوا الجهاد الحق(وقاتلوا الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا،والقصاص من المجرمين وسراق الأوطان ،والشورى في تحقيق العدالة وحكم الدولة ،والوفاء بالعقود والعهود وعدم حنث اليمين ،والعديد من الأوامر والتكاليف ،من أركان الاسلام، مع ان حكمها واحد في الآيات كحكم الصلاة والزكاة والصيام والحج أنظر الآيات الانفال 74،البقرة 216،الشورى 38 الاسراء 35،وهنا هم مخطئون.
وننتقل الى مصطلح أخر هو الاجرام والمجرمون 🙁 أفنجعل المسلمين كالمجرمين، ما لكم كيف تحكمون،القلم 35-36).
ان كلمة الاجرام هي المصطلح المضاد للاسلام ،اما المصطلح المضاد للمسلمين هوكل المجرمين كما في الآية السابقة. فالمجرمون هم الذين قطعوا صلتهم بالله وأوامره ونواهيه وهم:السراق والقتلة والخونة للأوطان وكل من لم يلتزم بشروط التنزيل،أفيحق لمن تثبت عليه هذه الجريمة ان يكون مخلصا لله والشعب والوطن؟سؤال كبير بحاجة الى أجابة اكبر منه اليوم.
أنطلاقاً مما نتحدث عنه الان ان التراث البشري الانساني يبقى تراثاً خاضعا لما يخضع له التراث من عاديات التلف والضياع ،اما التنزيل الحكيم فهو ليس تراثا ،لأن النص القرآني ثابت والشريعة متغيرة،ولا
3
تخضع لما يخضع له التراث.فهو ثابت وباقٍ على مدار العصوريحمل في داخله ما يجعله صالحا لكل زمان ومكان شرط التحقيق من مؤسسة الحكم لا من مؤسسة الدين.
ان القائلين بتقديس التراث من التراثيين،يصرون على أن يستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير،ويصرون على ان ينظروا في قصص الانبياء والكتب التوراتية ليعرفوا كيف بدأ الخلق،بدلاً من أن يسيروا في الأرض كما أمرهم التنزيل الحكيم ليروا كيف بدأ الخلق،(وقل سيروا في الأرض فأنظروا كيف بدأ الخلق ).
وأنطلاقاً من هذا التصور القرآني العظيم،دعونا الى أعادة ٌقراءة التراث وتدبره وفهمه وقراءته ،قراءة معاصرة حديثة ،لنتخلص مما علق بعقولنا من خطأ التقدير في التقديس للتراث كما فرضته علينا مؤسسة الدين التي لم يعترف بها القرآن ولم يخولها حق الفتوى على الناس ولم يميزها بلباس معين،وهي أس مشكلتنا القاتلة اليوم حين ساهمت وتساهم في تجميد العقل ونقل الحرية الى تقديس،وصادرت منا حتى الله.
ان أعتبار النص القرآني ثابتا في نصه ، ومتحركاً في محتواه وهو ما نسميه بالتشابه ،ولله المثل الأعلى. هو الاساس في التفكر والتطور والا كيف نقيس الماضي بالحاضر بعد ان تم الغاء حركة الاجتهاد والتطور من مناهج التدريس ؟
الم تكن مؤسسة الدين هي الاساس في التخلف والتجهيل بعد ان اخترعت لنا المذاهب ودرء الخطر وسد باب الذرائع وكل هذا التخريف ؟. فلا خلاص لنا الا بالخلاص منها وفصل الدين عن السياسة ،ومنح الانسان المسلم حرية العبادة والتفكير . لكم دينكم ولي دين .
من هذا المنطلق على الحكومة ان توجد لدينا حكومة مخلصة تغيير فلسفة مناهج التدريس للتاريخ وابعاد عنه كل تدليس.
د.عبد الجبار العبيدي
[email protected]