بعد أن راهن الكثيرون على أننا سائرون بالديمقراطية نحو المجهول وأظهر آخر مشكك ومتشائم جزمه بعدم امكانية قيام أية ديمقراطية في العراق، وأن ما يرفع من شعار ما هو الا محض كذب وخداع وتدليس للحقيقة, الا أنه ومع إطلالة شهر نيسان الحالي حتى تبيّن الخيط الاسود من الابيض وانبلج فجر يوم جديد بعدما انقشع الظلام. قدرنا في العراق ان يكون لشهر نيسان أثر كبير على مجرياته السياسية، فقد كان لهذا الشهر الدور كبير في رسم تاريخ العراق المعاصر, حيث كان العراقيون ينتابهم الخوف والذعر بمجرد حلول هذا الشهر، ففي السابع منه تأسس حزب البعث المقبور، وفي الثامن والعشرين منه ولد صنم العراق الكبير صدام حسين، إذ تعد هذه الايام من أخطر ايام السنة شؤما لما تحمله من أنباء غير سارة، والتي كثيرا ما يصدر خلالها المخلوع أحكاما وقرارت تكون مرعبة و كارثية. الى أن بزغ فجر الحرية عام 2003 وسقط “هبل”، فتهشمت أضلاعه واحتفل ابناء الشعب بذلك ليكونوا شاهدا للأجيال القادمة على ما مر به البلد من احداث مؤلمة، فقد كان يوم التاسع من نيسان 2003 يوما تاريخيا حاملا بشائر الفرح الذي طالما حلمنا به، وكاسرا للشؤم الذي كان سمة هذا الشهر. وبقينا نحلم بان يأتي لنا نيسان بيوم اخر يكسر الشؤم الملاصق له ايضا، حتى جاء يوم أمس وبعد 13عاما من عملية سياسية عرجاء مريضة لا تقوى على النهوض ومعالجة نفسها بسبب اساسها غير المتين الذي أولد من رحمها حكومات متهرئة غير قادرة على توفير ابسط احتياجات المواطن البسيط الذي كان ينتظرها بشغف، وأنتجت لنا نظاما لا وجود له على خارطة العالم، وهو نظام المحاصصة والديمقراطية التوافقية “التي شرعنت للسراق سرقاتهم، وصارت المحامي عنهم، والحصن الذي يلتجئون اليه. ان الديمقراطية بمفهومها الغربي الذي ابهر العالم اليوم, لم تأت هكذا بدون عناء يذكر، بل انها مرت بمراحل عديدة وتحولات تاريخية طويلة الى ان وصلت للشكل المعاصر اليوم، فمن الطبيعي ان يمر العراق بهذه التحولات قبل أن تنضج الديمقراطية وتصبح ثقافة شعب وتترجم على شكل أفعال على ارض الواقع وهذا ما حصل اليوم. ان ما يمر به العراق اليوم من اعتصام نواب وانسلاخهم وتحررهم من كتلهم ورفعهم شعار العراق ونبذ المحاصصة والطائفية والعرقية والفئوية وما ذهبوا اليه بتصويتهم على إقالة هيئة رئاسة البرلمان العراقي الذي كان مطبخا سيئا لإعداد الوجبات السياسية الفاسدة، يعد اكبر انجاز تاريخي للديمقراطية العراقية، وهو بمثابة ثورة بيضاء، ومؤشر واقعي على تطور الديمقراطية. هذا الحدث أشعرنا فعلا باننا نسير في طريق الديمقراطية الصحيح في العراق، الأمر الذي جعل المواطن يطمئن على تنامي الديمقراطية في البلد، فهولاء النواب الذين تجاوز عددهم 174 نائبا قادرون على تغيير المسارات الخاطئة التي بنيت عليها العملية السياسية العراقية، وان كل الأمل في أن يتم استثمار هذا الجو الملائم لمناخ العراق وطقسه المتقلب هذه الايام. ان تغيير فقرات الدستور بات مطلبا جماهيرا لتصحيح الفجوات التي ربما غفل عنها المشرع، ومن ثم اصبحت منفذا للسرقات او التفرد بالقرار او البناء غير الصحيح للعملية السياسية والديمقراطية بشكل عام، وكلنا امل ان يستمر هولاء البرلمانيون للعمل بكل جد من أجل تعديل القوانين وكسر الأصنام التي فرضتها الكتل السياسية على نوابها، فليس من المنطق القول ان ما حدث هو استهداف للجبوري، وانما هو تصحيح لاصل العملية السياسة. ما حدث بالامس هو خطوة الالف ميل التي تبدأ بخطوة، وإن على الكتل السياسية التي تدعي الانتماء للوطن أن لاتقف حائلا امام هذا التغيير وان لاتضع العصي بعجلة النمو الديمقراطي الجديد الرافض للمحاصصة، وان مايروج له البعض من فراغ سياسي ليست سوى أضغاث أحلام أو ربما أحلام يقظة.