منذ مطلع الثمانينيات والموت في العراق أكثر من نخيله، أكثر من منبه السيارات، أكثر من لحود مقابرنا، ومن دموع الأمهات، أكثر حتى من مفرداتالرواتب التي يتقاضاها أهل النهرين من دولة سومر والى دولة بريمر..والسبب معروف ..من الحروب إلى قتل الهوية أو ذلك الذي تذبح فيه لأنك تملك دبلوماً عالياً ولا تنحني لرغبة الوالي في ولايته ..ولم تحب الحسين (ع) كما يريد هو لا كما تريد أنت عندما أردت الحسين (ع) أن يكون جيفارا العولمة، فيرد عليك الشيخ في حديث منحول اختلقهُ ونسبه إلى الحر الرياحي: إن اثنين لايلتقيان .. دم كربلاء ودم البلاشفة ..
ولهذا يفكر هذا المبجل إن لايحصل العلمانيون (يمينهم ويسارهم) على أي مقعد في الانتخابات المحلية القادمة، وهذا ما سيحصل في الجنوب والوسط على اقل تقدير وسيكون هناك ثمناً لذلك، حيث ينتظر الموت أكثر من مسكين أحب مبدئه وقضيته مهما كانت ميولها ولكنها عندما لاتتفق مع شخير هذا الفحل سيرسل ملثموه وينتهي كل شيء…
فيكون الموت في العراق هو ثمن الشجاعة ..وهذا ما تعود عليه الجسد العراقي منذ حروب السلالات وحتى حروب المخافر الحدودية واجتياح الكويت وصد القوات الغازية على الطريق السريع الواصل بين البصرة والناصرية ..
ظالماً أو مظلوماً هو ذاته الثبات الأسطوري الذي امتزج بتراب الساتر وجدران غرف مديرات الأمن وأحبار رسائل الحب وحتى على قشور الموز كان الموت يتزحلق بنا إلى أمكنة نفي تنتج لنا ما يطلق عليه (مقابر الغرباء)..
غير أن العراق في تعدد أشكال الموت فيه يكاد يتغلب في همجية ما يحدث وحدث حتى على سيوف المستعمر القديم وهو ينهش في رقاب الشعوب البدائية كما حدث للهنود الحمر وشعب الأزتك وقبائل الزولو ويهود أفران الغاز ومجازر صبرا وشاتيلا وغيرها ..
موتٌ يتحقق بما لا يتصوره الضحية، موتٌ لا يحمل معنى سوى إنه يأتي من انفعال تاريخي وعصبية صنعها التدوين الخاطئ لكتابة تاريخ هذه الأرض وما جاورها، فصرنا ندفع حتى ثمن الأساطير التي يحكيها التاريخ وهي لاتمت للحقيقة بشيء، وعليه فأن دم الحسين (ع) ينبغي أن يكون في رقبة احدهم مادام الزمان، وحتى ظهور صاحب الغيبة المرتجاة، وفي جانب آخر هناك من يريد الثأر لقتل أبو مسلم الخراساني، وآخرون يردون ثمناً لحزن أبو حنيفة النعمان في سجنه، بعضهم يطالب بدية وثأر ضحايا مذبحة قصر الزهور للعائلة الفيصلية المالكة في العراق ..وآخرون يريدون رد الاعتبار للزعيم كريم الذي اغتيل في مبنى الإذاعة والتلفزيون وهو جالس على كرسي وقال احد شهود الإعدام المرتبك للزعيم الركن قاسم في تقرير له لقيادته: لقد قتلناه حتى دون أن يكمل نطق الشهادة ..فيما البعض تمالك جأشه وجبروت سلطانه وقسوته المفرطة ليتلوها كاملة وحبل المشنقة يهتز أمام ناظريه…
إنه الموت إذن ..يغلي في أقدارنا كما تغلي ثمرة البطاطا في قدور مطابخ العراقيات لنسمع منهن نحيب الثكالي الذي ظل مصاحبا موسيقى الدمعة منذ قيثارة شبعاد حتى اليوم ..
نحيب تصنعهُ السياسة وربايا الحرب والبندقية الكلاشنكوف، وكرهُ ابن لادن لأمريكا ورؤى المذاهب الأخرى، ففقدنا بسبب كل هذا المزاج والتفاسير والرؤى والثورات وخطب الحجاج أجيالاً من الضحايا الأبرياء، حتى قال احدهم وهو الحاكم السياسي الإنكليزي لقضاء الجبايش وأراضي آل بو صالح في زمن الانتداب السعيد للعراق الحزين: أن أهل الأهوار يأتون إلى نار مدافع بارجتنا كما تأتي أسراب البط إلى فتات الخبز الطافي فوق الماء..
أذن نحن فتات خبز طافٍ وعلى خلق الله في كل البقاع أن يأكلونا ..المدافع والسمك والبط القادم من الصين والانكليزي الذي ترك زوجته تكرع الويسكي في حانة في ويلز، وبعضهم جاء من المغرب العربي وشبه الجزيرة ليمارس في مدننا هواية الوصول إلى الجنة بسرعة طائرة الأيرباص ..والسرايا الملثمة التي ترمي ضحاياها في برزخ السدة في رصافة بغداد..!
وربما ما نشرته قناة العربية التلفازية مع أحد قادة ما يسمى بتنظيم جند الإسلام في مخيم نهر البارد قبل قتله من قبل الجيش اللبناني ، أنه ذهب للعراق ليقاتل هناك وأنه لشجاعته اختطف من السوق احد العراقيين الذين يتعاون مع الأمريكان كما يدعي وعلى بعد أمتار من الدورية الأمريكية .. وعندما سأله المذيع: وماذا فعلت بهذا الرجل العراقي؟ قال: (شممتهُ الهوى) ..
أذن الكل يشمم العراقيين الهوى .. الأجانب، جيران العروبة ..جيران الدين ..
العراقيون أنفسهم يشممون الهواء بعضهم لبعض .. ونحتاج في يوم ما إلى استشهادي من أهل المريخ ليشمننا الهواء فتكتمل الحسبة ونقول: سلاما لبلاد كانت لها حضارة تمتد لاف الأعوام واليوم لها حضارة تتنوع فيها المجالس والمخالس ولانشات تهريب نفط وآثار وفلوس العراق ..
أذن في العراق تموت ..أذن أنت شجاع