عندما أخذ الضمير إجازة طويلة نسبياً، وغط في نوم بعثي عميق، إمتد لأكثر من ثلاثين عاماً، كان اللجوء الى الآخرين لحل مشاكلنا خطأ كبير، وهذا ما حذر منه آنذاك، السيد محمد باقر الحكيم (قدس)، أبان زوال الطاغية، فقد أراد للتغيير أن يكون من الداخل العراقي، دون تدخل أجنبي، لأن ذلك يجره الى ويلات الطائفية، وحدث فعلاً ما توقعه، والخلل يعود الى العراقيين أنفسهم، الذين عانوا أزمة الوعي والضمير، لتكون الأفعال مصدقة بالأقوال، لذا ساد الخراب! ضربات حكيمية بدرية من الجنوب الثائر، بإتجاه البعث الإرهابي، وصمت صارخ بوجه الطاغية، كان بارعاً لايتقنه إلا السيد محمد باقر الحكيم، وأنصاره المجاهدين على قلتهم، لكنه عاد للعراق، وزحف بأُسرته الكريمة في لقاء سرمدي، بجده الصديق الأكبر، والفاروق الأعظم الإمام علي (عليه السلام)، فأعاد الى الذاكرة رحلة الطف، المتشحة بالعزة والكرامة، فسكن شهيد الأول من رجب محرابه الأبدي، ونزل في قلب التأريخ بجهاده، الذي لم يستطع أحد إنجازه إلا هو، فصنع عيداً للشهادة بعمامته المقدسة! عمق تأريخي وقوة زخم إسلامية، نادت بحقوق العراقيين، ورجل لا يمكن إختزاله في كلمات، أو سطور قليلة، مهما حاول المرجفون النيل من شخصيته، أو تلفيق الأكاذيب حوله، (فما رأيهم إلا فند، وجمعهم إلا بدد، وأيامهم إلا عدد)، والمتابع البسيط لعراق ما بعد الصنم، يتساءل ما السر وراء الإغتيال المبكر جداً لشهيد المحراب؟ والجواب أنه إبن الإسلام المرجعي، الذي يرفض الخضوع للطغاة، ولأن الفتح والتحرير، كان الحكيم يريده لدينه وأمته، وليس لنفسه كما يفعل ساسة اليوم! ثالوث جهادي كبير، يمكن أن يترجم بثلاث كلمات، لها نفس الحروف وهي: (بحر وحبر وربح)، فترتيب هذه الحروف، يستقر ببلاغة متناهية، مطابقة لمقتضى الحال، في شخصية شهيد المحراب (رضوانه تعالى عليه) فهو بحر فصول ربيعية، من مدرسة الإمام محسن الحكيم (قدس)، كما أن حبر دمه الطاهر، إمتداد لمداد أصحاب رايات يا لثارات الحسين، وربح في طريق الشهادة، بما حققه المشروع الإسلامي العصري العادل، الذي يخافه العالم، فالإعداء لا تخافه وحده، بل تخاف زحف أسرته معه!رحيل منتصر بحدود تفوق الوصف، لم يتخوف لقاء الجماهير، لأنها ستنصب له طفاً لا يمحى، في كل أول رجب مبارك، بإستذكار مهيب، ومشاهد (كبد وطشت ودماء لحسن، ورأس فوق رمح لحسين، وعباءة حوراء رافقها ظل علي)، إنها الأسرة العلوية، التي سنزحف بها ليومك يا أبا صادق، ونستحضر الدروس والعبر، فذوات أجدادك العظام، ما زالت مفاتيح نصر وكرامة، لا يقوى على مقارعتها أحد، مهما أعد من عدة وعدد، فمهمة آل الحكيم أنهم يحولون الألم الى أمل!