18 نوفمبر، 2024 2:39 ص
Search
Close this search box.

هل غضب الحكيم؟!

من مواصفات الحكمة التعقّل, والهدوء, والمنطق, والبحث عن الحلول الواقعية, قد يكون تُصمّ الآذان عن سماع صوت العقل؛ عندها ينعدم الرأي مهما كانت قيمته وقدرته على الحسم, وكما قال علي: “لا أمر لمن لا يُطاع”..!إلاّ إنّ إنتفاضة رجال الحكمة تكون قاسية, وتشطب معها أسماء كثيرة في حال حدثت, وتحمل معها دلائل واضحة على إنتهاء مفعول قاعدة “درء المفاسد” إذ تعمل هذه القاعدة عندما تؤدي المواجهة إلى مفاسد أكبر, بينما تتعطّل عندما تتلاشى الحدود الفاصلة بين المفاسد, فعندها مواجهة الخراب ستكون أولى, والبداية في التأهّب!     

في كلمة عمار الحكيم بذكرى يوم الشهيد العراقي, يتضح التأهب للمواجهة الحاسمة, ورجل كالحكيم لا يعلن عن تأهبه إعتباطاً, ويبدو إنّه إستكمل آليات المواجهة, والتي ستكون خاطفة وذات تأثير متقدّم على جميع المستويات. إرهاصات هذه الحركة, يمكن أن تقرأ بجملة من الأحداث؛ مؤتمر موسع للمجلس الأعلى كسر جمود العلاقة وخلق إنسجاماً بين الجيل القديم وجيل الشباب, أكثر من أربعة لقاءات مع أهم الدول المعنية في الوضع العراقي -إيران وأمريكا-, تواصل مكثّف على المستوى الداخلي, منها عدة لقاءات (الحكيم-العامري) في أقل من أسبوع..!     

خطوط حمراء سابقة تم إجتيازها إضطراراً من قبل واضعيها, سيما بعد إستنفاذ كل الطرق التي جُربت لتجاوز المعضلة العراقية, وجدير ذكره إنّ تلك الطرق تمثّل رؤى وقراءات وضعتها قوى خارج حدود الدولة, وتكفلت بنتفيذها قوى عراقية, لكنّ النتيجة كما نرى!.. الحكيم قال لهم ضمناً؛ “نحن وحدنا من يمتلك مشروع”. والواقع إنّ هذا الكلمة عندما يتفحصها شخص محايد, يجدها مقبولة؛ فتتبع أحوال القوى العراقية الأخرى يكشف عن فقرها وبؤسها سوى من البحث عن (سلطة). وحتى لا تبخس أشياء القوم؛ نستعرض أبرز المشاريع المطروحة كحل للأزمة العراقية, ويمكن تخليصها بثلاثة مشاريع:الأول يدعو لإغلبية سياسية, وهي دعوة تبدو مقبولة نظرياً, بيد أنها تقفز على حقائق كثيرة وعميقة, فضلاً عن غياب هذه الأغلبية عملياً, والغريب إنّ دعاة هذا المشروع لم يكشفوا بعد عن كيفية تشكيل الأغلبية, هل بالإجبار مثلاً؟!الثاني يدعو لـ(مدنية) الدولة وفي هذا الطرح يحدث خلطاً غريباً بين المفاهيم ليزيدها بريقاً (علمانية, يسار, ليبرالية, مدنية…إلخ) ولم يوضح لنا أتباع هذا المنهج, كيف يمكن جلب حواضن الإرهاب إلى الدولة المدنية؟ وهل معنى المدنية هنا يقابل الدولة الدينية, أم القومية, أم العسكرية؟.. الدستور يقر بالعراق دولة مدنية, فهذه الدعوة باطلة من الأساس. لكنّ الدعاة لهذا المشروع, فشلوا في الوصول إلى حكم (مدني) عبر الطرق الدستورية, فحدث الإلتواء.. زمن الآيدلوجيات والقوالب الجامدة, إنتهى!..الثالث هو مشروع النكوص إلى دول الطوائف والأعراق, وهذا تتخذه بعض القوى السنية والكوردية, وأصوات شيعية منفردة؛ وبالغالب يعتمد كلياً على الدعم الخارجي.   

 أما مشروع الحكيم, فهو يستهدف القضاء على الأسباب الظاهرة والخافية, التي تتأسس عليها تلك المشاريع, وبالتالي فهو يختزل معنى الدولة الإنسانية. بمعنى إنّه مشروع واقعي, لا يبحث في النتائج لعلاجها؛ بل يتخدها دليلاً لعلاج أسبابها. ومع صعود صوت اللاعقل والتطرف المشبوه, مستهدفاً جذور الدولة عبر إستهداف مظاهرها بطرق عشوائية غريبة, مستغلاً حالات الفساد والفشل المرافقة لمسيرة أصحاب ذلك المشروع ذاتهم؛ يضع الحكيم محاذير وخطوط عامة للعملية الإصلاحية تعد أساساً لا غنىً عنه. ويمكن تلخيص كلمة الحكيم بأربعة مفردات واضحة:أولاً: التذكير بالماضي, بما في ذلك المبادرات والحلول السابقة التي قدمها هو أو تياره, والتي إعتبرها “دقة التشخيص ووضع الحلول” الأمر الذي يعكس قدرة عالية على الإستشراف, معطياً مصاديق لتلك المبادرات أبرزها “الفدرالية, ومبادرة أنبارنا الصامدة”. وهنا يرفض أسلوب رئيس الوزراء السطحي, والعاكس لإسلوب عام عُرف به حزب الدعوة لديمومة السلطة, وبنفس الوقت يعلن عن إستعداد تام وقدرة على الخروج من هذا الأسلوب عبر تغيير جوهري في الخريطة السياسية.ثانياً: الدعوة إلى العمل المنظّم الذي يبتعد عن الفوضى المسببة لإرباك الوضع وزيادة الأزمة. وهو يعكس, من خلال تنظيم الإحتفالية, إنّ المركز والأطراف جميعاً من يقرر, ولا يمكن إختزال العمل السياسي في “المنطقة الخضراء”. بمعنى الإرتقاء بالجمهور إلى مستوى الحدث, رافضاً بذلك مبدأ (الهبوط) في التعميم والبتر في العلاج.ثالثاً: العملية السياسية الدستورية تمثل ركيزة العراق الجديد, وأي حديث عن إستهدافها يمثّل عداءاً للوطن, سيما في ظروف الحرب والأزمات السياسية والإقتصادية. فيتطرق إلى التنظيم مرة أخرى, إذ إنّ الفوضى المحيطة بأسوار سيادة الدولة, هي صورة أخرى من صور الإنقلابات, وأي تهديد بإقتحام أو ممارسة عنف, هو عمل عدائي يتماهى مع الإرهاب.رابعاً: التركيز على الفصائل العسكرية للمجلس الأعلى, وإعتباره إنّ “الصمت لا يمثّل ضعفاً, ولا الضجة تمثّل تسيّداً” فالحرب ضد الإرهاب واجب وليس منّة, ولكن طالما بقي منهج الترويج, فسنتعامل بالمثل.. هذا ما لدينا؛ هل من منافس؟    إمتلك المجلس الأعلى مشروعاً مهماً في ما مضى, غير إنّه إفتقد القدرة على تنفيذ ذلك المشروع لإسباب كثيرة؛ أبرزها مقولة “درء المفاسد”..مع بقاء المشروع, يخرج الحكيم معلناً عن قدرة وإستعداد عالي لتنفيذه, ويضع شروطه معنونة بعبارة كبيرة: تعلّموا قواعد العمل السياسي, وإخرجوا من مراهقتكم, فوضويتكم, حزبيتكم, وفسادكم لإنها كلفتنا كثيراً..!

أحدث المقالات