الدولة الحديثة هي مجموعة مؤسسات ، و المؤسسات هذه هي قوانين و تطبيقات و سلوك عمل ، و هذه الأخيرة هي ثقافة قد تساعد القوانين على تطبيقها ، إلا أنها على الأغلب لا يمكن للقوانين أن تحققها ، فإذا عجزت مؤسسات الدولة على أن تؤدي واجباتها ، فينبغي مراجعة هذه الثلاثية ( القوانين ، التطبيقات ، السلوك ) ، و عملية الإصلاح عليها قبل كل شيء كما أشرنا في حلقة سابقة من هذه السلسلة أن تتمتع بالمعرفة ، فلا إصلاح من غير معرفة الخراب و معرفة كيفية إصلاحهِ ، و بهذا سيكون رجال الإصلاح هم ( العارفون ) … العارفون بتشريع القوانين و وضع الآليات ، و هم كذلك ذوو الخبرة الذين يشيعون ثقافة المهنية في العمل ، هذهِ معادلة تمثل تصور عام على جميع الرؤى الإصلاحية أن تتضمنها ، و بهذا سيتضح أن مقولات التوازن و التمثيل و الوحدة الوطنية لا تعني إلا خطاب سياسي يستهدف المصالح الحزبية ، و ليست رؤى إصلاحية ؛ فالجميع صار يدرك أن رؤى التوازن و التمثيل هي عناوين مقبولة لمبدأ المحاصصة التي تشكلت على أساسه مؤسسات الدولة العراقية ، بل أنه أي ( منطق المحاصصة ) هو المنهج الذي للأسف شرعت به الكثير من القوانين ، و لذلك ولأن منهج القوانين و التطبيقات و السلوك هو المبدأ المعاكس للمعرفة و المهنية ، تسبب ذلك في حدوث كل هذه الأزمات التي تعاني منها مؤسسات الدولة في المجالات المختلفة و المستويات المتعددة ، و لذا رجال الإصلاح لمن يريد أن يعرفهم في زمن الجميع يدعي الاصلاح ، هم يعملون بجد و إخلاص لتشريع قوانين و العمل على تغيير معادلات المحاصصة بالكامل ، و أعتماد المهنية ، كما فعلت السلطة القضائية عندما شكلت مجلسها الأعلى عقب التغيير في العام الفين و ثلاثة ؛ عندما عمدوا إلى أن تكون الكفاءة و المهنية هي الاساس في بناء السلطة العليا للجهاز القضائي ، و بعد ذلك فرضوا هذا المبدأ على أن يشمل ممثلين من أطياف الشعب العراقي و بهذا تحقق مفهوم التوازن بمهناه المعرفي لا معناه المحاصصاتي كما ينادي الكثير من الاحزاب السياسية .