لا يكاد يمر يوم في العراق ودول النزيف العربي الا ومآتم العنف تُصر أن تقتحم تلك البيوت متشحتاً بألوان الدماء وروائح الأشلاء.
فما يحدث من عنف ليس وليد اليوم بل هو نتاج لثقافة رسخت على مدى فترة صراع سلبي بدء منذ الف واربعمائة عام ونيف ليعبر عن روح وتطلعات تجار الدين بشقيهم ليشتركا معاً في تلك الفتاوى التكفيرية، فهذا العبث والجدل في أحكام الدين وأصوله وثوابته ونواهيه وزيف من الفتوى التي تحلل وتحرم وتكفر عباد الله وتبيح سفك دماء المسلمين وغير المسلمين في كل أرض وكأن ديننا الإسلامي الحنيف قد خلا من كل ما فيه خير ومحبة وتسامح ومتجاهلين تماما أهم ما ورد في كتاب الله وسنة رسوله عليه أفضل الصلاة والسلام واله، من دعوات خيرة إلى التآلف والتعاضد والتكاتف وحب الخير لكل الناس.
هذا الطاعون بعناوينه وفتاويه الجهادية الرنانة لايتوانى أن ينحر ويستبيح ارواح وممتلكات المواطنين الامنين المسالمين تحت مسميات الجهاد والدفاع عن الموالين من الطرفين وقتل المخالفين، فتجار الدين يخلقون عن قصد كل الشروط والظروف المناسبة لتجمع المتشددين من كل بلدان العالم وبالتالي أنشاء بيئة متشددة تفرض بالقوة على ابناء البلد الامنيين وبعدها تستباح خيراته وممتلكاته.
إن فتاوى التكفير التي أصدرها رجال الدين المتطرفين تطرح إشكالية التسيب والفوضى التي يعيشها حقل الدين فلا فرق من حيث الجرم بين من يناصر العنف بالنفس وبين من يناصره باللسان ولعل المناصرة باللسان أخطر من المناصر بالنفس لأن هذه الأخيرة هي ثمرة الأولى .
وأنا أتسائل هنا ما الجدوى من إشاعة الفرقة والتشتت والتناحر والتباغض بين أفراد المجتمع الواحد المسلم والمسالم ولماذا لم يحن الوقت لإيقاف هذا السيل الجارف من التطرف وسفك الدماء افلا يكفينا ما حاق بنا ولحق بنا من ضرر فادح بفعل تجار الدين وأتباعهم من المتشددين، افلا يحق لنا أن نتسائل لماذا تأوي دول الجوار او اروبا وأمريكا تجار الفتنة هؤلاء ولماذا يمنحون الاقامات وتستضيفهم القنوات الاعلامية ويفسح لهم المجال وتحت غطاء الحرية الدينية وحرية التعبير في ترويج افكارهم الدموية السوداء بما يمتلكونه من خبرة في فنون استقطاب وتجنيد القطيع من جهلة وفاشلين وبالتالي الزج بهم في النزاعات العسكرية .
افلا يحق لنا ان نتسائل عن جدوى كل تلك القنوات الفضائية التحريضية الدينية والتي تعتاش على الفتنة وتغذية النزاعات والترويج للنزاع الطائفي والمذهبي والتي لاتمتلك معايير نقل الحقيقة وتدار من قبل احزاب وأعلاميين غير مهنيين وعن أسباب الترخيص لها ودعمها ولماذا يسمح لها بعرض برامج تروج للفتنة الطائفية والمذهبية والاقليمية واللعب بالنسيج الاجتماعي إذ لا تتورع هذه القنوات عن عرض الجثث والاشلاء بحجة أنها لخصوم مع أن هذا ممنوع في التقاليد الإعلامية.
بعد هذا كله أتسائل عن كيفية صمود الوسطية والاعتدال تحت كل هذا الكم الهائل من الضلامية والصراخ المشحون بالبغظ والكراهية بين الاطراف وكذلك أتسائل عمن سيتحمل وزر كل هذه الدماء التي سالت والاشلاء التي تبعثرت والقبور التي ملئت والاطفال التي تيتمت والنساء التي ترملت والاعراض التي أنتهكت.