في الآونة الأخيرة يبدو ان ما كشفت عنه مجلة «تايم» الأميركية في تقرير موسع من ثماني صفحات،بدأ يتحقق تدريجيآ وخصوصآ بفحوى تفاصيل خطة تقسيم العراق إلى ثلاث دول، واحدة منها في الشمال لكوردستان، والثانية للسنة بمحاذاة سورية، أما الثالثة فللشيعة ومكانها في جنوب العراق وتضم مساحات واسعة منه، ومن الجدير بالذكر هنا أن مجلة «تايم» التي تعبّر في أغلب الأحيان عن وجهة نظر الإدارة الأميركية، تحدثت في تقريرها عن ضمّ المناطق الكردية في سورية إلى الدولة الكردية إضافة إلى ضمّ بعض المناطق السنية في شرق سورية للدولة السنية العراقية، ونشرت المجلة خرائط مفصلة توضح مناطق توزيع الكرد والسنة والشيعة، وعدّت بغداد من ضمن الدولة السنية، أما كركوك فكانت داخل الدولة الكردية لكنها على خط التماس مع دولة السنة، أما الدولة الشيعية الجديدة، فهي ستتجه جنوباً حيث تصل إلى الكويت، لتستقطع مناطق حيوية منها إلى أن تصل أيضاً إلى ضمّ بعض أجزاء من شمال شرقي السعودية.
هذه التفاصيل التي ذكرتها المجلة الأميركية تؤكد بما لا يقبل الشك بأنّ هناك مشروعاً صهيو- أميركياً، يهدف إلى إضعاف العراق، وتمزيقه وتفتيته كنقطة أساس لتمزيق وتفتيت المنطقة العربية ككل، وهذا ما يؤكد بما لا يقبل الشك أيضا، بأن الهجمة التي تتعرض لها المنطقة العربية والإقليم ككل، هدفها بالأساس هو تمزيق هذه المنطقة خدمة للمشاريع الاستعمارية الصهيو أميركية، الشعب العراقي المستهدف بغالبيته من آثار وإفرازات هذا المشروع أدرك مبكراً الأهداف الحقيقية للعدوان الأميركي على العراق عام 2003، ومع ذلك التزم بعضه الصمت وبعضه الحياد وبعضه ذهب بشكل مباشر أو غير مباشر للانخراط ببوتقة هذا المشروع ليصبح جزءاً منه، والبعض الآخر وهم قلة في العراق اتجهوا نحو محاربة هذا المشروع ومحاولة إسقاطه. في المحصلةن تؤكد حقائق الواقع أنه وبعد مرور 13 سنة على الاحتلال الأميركي للعراق، أن الشعب العراقي بمجموعه اليوم، أدرك بشكل أو بآخر حجم الخطيئة التي ارتكبها العراقيون كل العراقيين بحق العراق، عندما صمتوا على إفرازات ونتائج وتداعيات مسارات المشروع الأميركي بالعراق.
اليوم، من حق الجميع أن يتساءل ويسأل العراقيون الذين ينتفضون ويتظاهرون ويطالبون بإسقاط مؤسسات فاسدة وعميقة زرعها المشروع الأميركي الصهيوني بالعراق، أين كنتم أنتم العراقيون الذين تتظاهرون تحت لهيب الشمس الحارقة، عندما أقرّ دستور بريمر الفاسد الذي أنتج كلّ هذا الفساد بالعراق؟ أين كنتم عندما استغلكم بعض القوى السياسية «الطائفية» التي جاءتكم على ظهور الدبابات الأميركية الغازية، وأسقطت على عقولكم وعواطفكم «مفاهيم طائفية قذرة» أنتجت في دوائر المشروع الأميركي الصهيوني؟ وهل أدركتم اليوم حقيقة أن علياً وعمراً والحسين ومعاوية، وإلخ… لا ناقة لهم ولا جمل بكلّ مشاكلكم الخدمية والحياتية والأمنية والدينية والسياسية والاجتماعية والأخلاقية الخ… التي تعانون منها اليوم؟ وهل أدركتم حقيقة أن الكثير من ساستكم وبعض أحزابكم هم نتاج مشروع يستهدف شقّ صفّكم وتحويل العراق إلى دول وأقاليم وولايات وإمارات متناحرة؟ وأنتم العراقيون بمجموعكم تعلمون أن دستور «بريمر» وحلفائه من العراقيين قد أقّر الفيدرالية التي تشمل الدويلات الثلاث على أسس طائفية: شيعية في الجنوب، سنية في الوسط، كردية في الشمال، عقب احتلال العراق عام 2003، فلماذا وافقتم على هذا الدستور الفاسد الذي رسخ مفاهيم الطائفية القذرة وكل نتائجها السلبية الكارثية؟.
إن الناظر اليوم إلى الشق الإنساني في الداخل العراقي، وهو الأهمّ ومحور حديثنا هنا، سيدرك حجم المأساة التي يعيشها العراقيون كل العراقيين، فما زال مسار المعارك على الأرض العراقية يلقي بظلاله المأسوية والمؤلمة بكلّ تجلياتها على المواطن العراقي المتأثر بشكل مباشر من نتائج هذه المعارك ومساراتها السياسية الملتوية، وما زالت نار الحرب وإعدامات الميدان والتصفية بالمقار الأمنية ودوي المدافع وهدير الطائرات تضرب بقوة بمجوعها كلّ مقومات العيش بحده الأدنى للمواطن العراقي وبخاصة في مناطق غرب العراق، والناظر إلى حال الكثير من العراقيين اليوم داخل العراق وخارجه، يعرف حجم المأساة التي يعيشها المواطن العراقي، فاليوم في العراق هناك مدن بكاملها بجنوب وغرب وشمال العراق، لا يوجد فيها ماء ولا كهرباء ولا حتى طحين وإنْ وجد الطحين فبشكل مقنن ويستفيد منه بشكل واسع ما يسمى «بتجار الأزمة أو تجار الحرب العراقيين»، لا فرق بذلك كما يقول العراقيون. فهؤلاء هم جزء من الحرب ومن منظومة الحرب بالعراق ولكن بوجوه وصور مختلفة. ومن هنا، فمن الواضح من حجم الخراب والدماء والدمار الهائل الذي دفعه العراقيون كنتيجة لما يجري بالعراق، أن الخاسر الوحيد منه ومن كل ما يجري بالعراق هو الشعب العراقي والشعب العراقي فقط.
إنّ مجموع الأحداث الأخيرة التي عاشها العراق والعراقيون، تؤكد بما لا يقبل الشك أن العراقيين قد شعروا بحقيقة الخطيئة التي ارتكبوها بحق العراق أولاً وبحق أنفسهم ثانياً وبحق كل الأجيال العراقية المقبلة ثالثاً، وهنا يمكن القول من الواضح أن الأحداث الأخيرة التي جرت بالعراق أخيراً، تؤكد أن هناك صحوة عراقية متأخرة، ولكن يمكن البناء عليها، لتأسيس واقع عراقي جديد، يسقط كل المؤامرات والمشاريع التي تستهدف العراق والتي حيكت بدقة بدوائر صنع القرار الأميركي- الصهيوني، فعلى رغم حالة الانقسام بالشارع العراقي التي أنتجها مجموع الخطط التي تستهدف العراق، يمكن اليوم بناء وتجذير حالة وطنية عراقية جديدة تعيد تشكيل واقع عراقي جديد.
ختاماً، إن تطورات الأيام الأخيرة بالعراق، تؤكد بما لا يقبل الشك أن مسار الحراك الشعبي بالداخل العراقي إن استمر بنفس وتيرته(ولكن بعيدآ عن الفوضى والاجندة الخاصة ويكون ممثل للعراقيين بمجموعهم )، سينتج واقعاً عراقياً جديداً، واقعاً للعراق الجديد الذي نتمنى ونأمل أن يكون هو البداية لإسقاط كل المشاريع والمؤامرات التي حيكت للعراق، وأوصلته للحالة المزرية التي يعيشها عراق اليوم، واقعاً يدرك فيه العراقيون بمجموعهم حقيقة أنّ علياً وعمراً والحسين ومعاوية إلخ… ليس لهم ناقة ولا جمل في كل مشاكلهم وأزماتهم المعاصرة. [email protected]