يقوم الفرد بارتكاب فعل القتل فترد عليه الدولة باعدامه والذي بظاهره يبدو نصرا ً لمبدأ القصاص لكنه بحقيقته ليس الا قتلا ً بقتل. بل ابشع منه فالاول موجه من فرد باتجاه المجتمع اما الثاني فهو قتل موجه من مجتمع نحو الفرد.وعندما يرد المجتمع بالاعدام فأن الفرد يكون قد نجح باستفزازه واستدراجه الى مطب الانتقام ولنفاضل بين تصرف لشخصين حصل تجاههما اعتداء احدهما انجر لرد الفعل والاخر استوعب الاستفزاز فأيهما قد أُجمع على صحة تصرفه وايهما اقرب لرد فعل الانسان المتحضر منه الى رد فعل الانسان المشبع بالغرائز.. كذلك المجتمع.ان الاعدام ليس اصعب من السجن للقاتل ففي السجن بعد وفراق وهما من ابرز سمات الموت لكن بالموت يكون الانتقال والمرور بهما سريعا ً اما في السجن فالشعور بهما لحظي ويومي لان الاحتجاز اشبه بكبسولة للزمن يتم فيها تجميد حياة الفرد خارج دائرة التأثير و التأثر تقتلع فيه مسيرة الفرد لتبقى تدور في عالم موحش هو مستوى متدني وبدائي من حياتنا.وان كان المبرر( القصاص ) فالله قد جعل منه اشكال وخيارات ” انما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا ً ان يقتلوا او يصلبوا او تقطع ايديهم وأرجلهم من خلاف او ينفوا من الارض ” (المائدة 33) ان من يعلن الحرب على الله وهو الجبار وعلى رسوله باعتباره التجسيد لمنهجه وامتداد يده لا شك انه يقوم باكبر جريمة , انما جعل الله جزاؤه خيارات عدة منها ما يناسب زمانها كالقتل والصلب وتقطيع الايدي والارجل من خلاف ومنها النفي من الارض وهو الاكثر مناسبة ً لزماننا.فالنفي هو سجن وابعاد عن تيار الحياة وهو كحكم بالشلل على سليم.ونماذج الابعاد والنفي الالهي كثيرة اشهرها ان الله امر بالسجن الالهي للسامري فنفاه في الحياة. كما نفى وابعد رسول الله(ص) اكثر من عدو له من ابناء المجتمع المدني.
ترك الله القصاص على شكل خيارات ما هو الا رسالة واضحة تقول ان شكل القصاص امر متروك لنا لنختاره بما يتناسب مع واقع حياتنا وتطور مسيرتها وبذا نختار الشكل الملائم ونبقي الحكم حيا ً نابضا ً وهو القصاص.فقبل الف عام عندما تقطع راس رجل امام العامة فالرسالة تكون الردع والقصاص الفعلي في عالم الِف القتل واستخدام السيف من قبل جماعة لإبادة اخرى واستئصالها لكن ان تقوم الان بقطع راس رجل بالسيف قصاصا ً لهي الوحشية بذاتها ومنتهاها وتكريها ً بمنهج الله وسماحة دينه.ولنلحظ وجها العملة للدولة الاسلامية كما مثلاها ايران والسعودية فولاية الفقيه اعدمت الناس شنقا ً بالرافعات في الاماكن العامة وبذا حفظت اصل القصاص لكنها خالفت شكله إذ لم يكن هناك اعدام بالرافعات ايام الرسول (ص) والقصاص باعتباره حكم شرعي كالصلاة وسواها من الاحكام له شكل ومضمون لا يحق لنا ان نخالف احداهما والا فشلنا بتطبيقه.اما السعودية فبقتلها بالسيف فأنها خالفت الحكم الشرعي من جهة مضمونه لانه وكما قد سلف اوصلت رسالة الوحشية والقسوة بأبشع اشكالها لتقول هذا هو الاسلام فأضرت الاسلام وأدمته بتشويه ملامحه الجميلة.اذن فالقصاص مرن وسمح اكثر من سماحة وجهي العملة الفاشلان بتطبيقه.تكرار الجريمة بالاعدام والباسها عباءة القصاص لا يختلف عن باقي امورنا التي نغلفها بمبرر شكلي لكن الدافع الحقيقي كامن ومختبئ في احدى زوايا لا شعورنا وعلينا البحث عنه في ركام مخاوفنا واحباطاتنا.فالسبب الحقيقي الذي يدفعنا للأعدام ليس القصاص كما ندعي بل ناجم من عدم ثقتنا بنفسنا وما انتجت من نظام سياسي والشك باستمراره ولذا نعجل على القاتل بالاعدام خوفا ً من ان عمره اطول بكثير من عمر النظام السياسي.في حين ان اسرائيل تحكم بالسجن ﻠ (400) سنة لثقتها باستمرار نظامها السياسي,فهذا هو بيت القصيد اننا نعدم لعدم وجود ثقة بنظامنا السياسي واستقراره.ناهيك عن خطأ من قال ان الاستقرار يتحقق باعدام (3000) سني !! ان ما نحتاج اليه هو عدم الانجرار للعنف المقابل وان كان حكوميا ً مؤطرا ً بقانون وان نقوم بحسن ادارة الصراع الطائفي الناشيء قبل قيام الدولة العراقية بطريقة تعمل على انهائه لا استدامته حينما تقوم الطغمة السياسية الحاكمة باستغلاله واثارته بدرجة تضمن لها ادامته للأستفادة منه وجعله سببا ً لديمومتها وتنعمها بالسلطة وجاعلة من نفسها اداة وخادمة لاجندات اقليمية دون ان تسعى لحله من جذوره معتاشة على الخوف من الاخر .