18 نوفمبر، 2024 12:45 ص
Search
Close this search box.

الارتجاج (2015): ترويج مجازي “للحلم الأمريكي”

الارتجاج (2015): ترويج مجازي “للحلم الأمريكي”

“لا شيء يصدم كالحقيقة”!
أستهل هنا رحلتي السينمائية الشيقة بعرض جاذب لفيلم “الارتجاج” للممثل الأسمر الشهير “ويل سميث”، حيث يقوم طبيب التشريح المميز د.بينيت اومالو (ويل سميث) بتشريح جثة لاعب كرة القدم الشهير المتقاعد مايك ويبستر (الممثل دافيد مورس) الذي وجد ميتا في سيارته، ليكتشف انه كان يعاني وبشدة من خلل عصبي دماغي أدى لصداع شديد ولحالات من النرفزة العصبية، بالاضافة لأعراض مرض الزهايمر المزمن، ويغوص د.اومالو باسلوبه الفريد وكأنه يتحدث للجثث لتشي له بأسرار موتها، ليكتشف اخيرا أنه مرض عصبي اختلالي جديد ناتج عن الارتجاج الشديد الذي تتعرض له رؤوس اللاعبين الأمريكيين بهذه اللعبة العنيفة، وذلك ببساطة لأن
رؤوس البشر ليست مجهزة بأنظمة مقاومة بيولوجية للارتجاج الشديد كما هو الحال بطائر نقار الخشب وبذكور “الثيران والوعول البرية والماعز الجبلي”، ويتمكن “اومالو” بمثابرته وعناده من نشر أبحاثه واكتشافه في المجلة الطبية المعتمدة، ثم تتوالى الأحداث فيصاب لاعب آخر متقاعد بنفس الأعراض ثم ثالث ورابع، ويسعى الطبيب مع رئيسه الداعم لقيادة حملة للتوعية العامة من أضرار هذه اللعبة العنيفة، وتأثير ضربات الرأس الشديدة على الدماغ مما يؤدي لحدوث الارتجاج…هذا الفيلم اللافت من اخراج “بيتر لاندسمان” وتمثيل كل من ويل سميث وأليك بالدوين وألبرت بروكس.
يقوم “ويل سميث” بهذه “الميلودراما” بواحد من أعظم ادواره السينمائية، ويتماثل مع دوره المؤثر في فيلم “السعي للسعادة”(2006)، وربما تكرر “هوليوود” هنا نفس الحبكة المعهودة، من حيث اكتشاف الظاهرة ومن ثم تعميمها والاعتراف بها، وصولا للرفض والتهديد والمعارضة فمن ثم الاقتناع والمصداقية واثبات الذات، ولم ينجح الفيلم تماما ببناء التشويق المتوقع وانما انجر للميلودراما الممتعة، وتكمن المفارقة بكون الطبيب المكتشف مهاجر نيجيري لم يحصل على الجنسية بعد، وبدت الأحداث كسرد “بيوغرافي” لحياة الطبيب العصابي المثابر والمجتهد وعرضا لاسلوبه ومعاناته مع البيروقراطية العدائية السائدة، كما تطرق لقصة زواجه من امرأة كينية مهاجرة دعمته وكانت له خير سند، والغريب أننا لم نشاهد قصة الطبيب وكفاحه لاثبات اكتشافه، بقدر ما شاهدنا تقمصا مدهشا لممثل كاريزمي كبير!
لم تؤخذ أراء وابحاث د.اومالو على محمل الجد حتى يقدم المدير التنفيذي لنقابة اللاعبين “ديف دورسن” على الانتحار باطلاق الرصاص على رأسه، اثر صداع شديد ومعاناته الشديدة وتعرضه لمشاكل ذهنية قاهرة ومزمنة، وبعد أن يفصح عن ذلك ويؤكد صحة مزاعم د.اومالو في “رسالة الانتحار” التي تركها…حينئذ فقط يعطى المجال للطبيب “النيجيري الأصل” للحديث في مؤتمر كبير خاص، وبعد موافقة الكونغرس واعتماد نتائج البحث التي توصل اليها. ثم تعرض على اومالو وظيفة هامة كرئيس للفحص الطبي بمنطقة كولومبيا، ولكنه يرفضها بعد مشاهدته لاصراراللاعبين على ممارسة اللعبة كما هي بلا ضوابط ومحاذير، ويفضل أن يعود لعمله الأصلي كجراح تشريح مميز بعد ان يحصل اخيرا على الجنسية الأمريكية.
أعجبتني فكرة أن “طبيبا نيجيريا” لامعا متخصصا بتشريح الجثث، يأتي كمهاجر الى امريكا، ثم يقوم بجهوده الفردية الاستقصائية باكتشاف مرض جديد يصيب لاعبي كرة القدم الأمريكية (حتى أنه يتكفل ماليا بتكاليف تشريح الدماغ الباهظة)، حيث لم يسبقه أحد لهذا الاكتشاف…فهل هذا ترويج ذكي “للحلم الأمريكي المدهش” مبني على قصة حقيقية، كما نلاحظ انه بالرغم من الصعوبات الجمة التي مر بها فهو ما زال ضمنيا يعشق أمريكا هو وزوجته النازحة من كينيا، كما “لا يبدو” ولو لبرهة أنه يفكر جديا بالعودة لموطنه الأصلي (الغارق بالتخلف والفساد والارهاب وعدم الآمان) لأن أمريكا (بنظره) هي التي تحقق الأحلام بالرغم من العقبات والاحباطات، ولأن أمريكا هي التي تحقق “تكافىء الفرص” بغض النظر عن الأصل والعرق واللون، وهنا تكمن الرسالة المجازية التي نجح الفيلم بتوصيلها كدعاية “للحلم الأمريكي”!…وهنا سأدخل في مجال المقارنة
لأن هذا تقريبا ما سوف يحدث مع آلآف النازحين حديثا لاوروبا ودول الشمال الغربية، فهل يتوقع احد منهم أن يقوموا بالعودة لأوطانهم بعد انتهاء الأزمات واستقرار الأحوال؟ وهم اللذين تعرضوا للأهوال والغرق والاستغلال للهروب لجنات الغرب والتنعم برغد العيش والآمان الحياتي والوظيفي، وربما يكونوا قد وقعوا في “الوهم الكبير”…بعد نجاتهم من الموت والغرق ومعاناتهم في مخيمات النزوح على الحدود والروح العدائية والكراهية “الشوفينية” (العنصرية والدينية) التي انكشفت ضدهم، وبعد افتضاح خزي ممارسات بعضهم المتمثلة بالارهاب والتحرش والسرقة، وقد يبدو تصريح المستشارة الألمانية “ساذجا” وبعيدا عن الواقعية ضمن هذا السياق، عندما تقول بأنها ستعيدهم لبلادهم بعد انتهاء النزاعات المسلحة واستقرار الأحوال!
 [email protected]

أحدث المقالات