ليس الفساد جديداً في العراق، ولكنّهُ تدرج من مجرد “ظاهرة” في مراحل تاريخية، وفي ظلّ أنظمة سياسية متباينة، إلى “بُنية” مؤسّساتية متكاملة، وبخاصة بعد عام 2003، هذا ما يوضحه السيد عماد عبد اللطيف سالم، ويضيف أنه في حقبة الاحتلال العثماني كانت الوظيفة العامة تُباع، وتؤجّر. وبعد تأسيس الدولة العراقية 1921، بدأ الاستخدام السيء للصلاحيات من قبل كبار ساسة العراق، حتى تذكر المصادر بأنّ ياسين الهاشمي قد استولى على أراضي الدولة بطرق مشكوك فيها.
ويذكر بأن اتهامات كثيرة وُجهت لرشيد عالي الكَيلاني كونه استغل منصبه وزيرا للداخلية والعدل، وابتزّ حائزي ومؤجري أوقاف الشيخ عبد القادر الكَيلاني. كما تم اتهام توفيق السويدي بالتواطؤ مع التجار من خلال تسريب قرارات حكومية تتعلق بزيادة الرسوم الكَمركَية على بعض السلع قبل إعلانها رسمياً.
ويضيف أنّ الشركات الألمانية (آي.جي.فاربن، وسيمنز، وفيروستا) تمكنت، أواسط ثلاثينات القرن الماضي، من ايجاد أسواق لها في العراق عن طريق تقديم العمولات والرشاوى إلى مسؤولين في الجيش والدولة. وبحسب التقارير البريطانية فقد كان الحصول على امتيازات حق التنقيب عن النفط، من خلال العلاقات الشخصية، أمراً شائعاً في الأوساط العراقية .وعلى الرغم من ان البريطانيين كانوا يرون في نوري السعيد واحداً من أفضل السياسيين العراقيين، إلاّ أنهم لم يكونوا راضين عن أداء الوزارات التي قام بتشكيلها في الأربعينات .
وهكذا فقد وصفت الدراسات التي تناولت تاريخ العراق في تلك المرحلة، بأنه تاريخُ إثراء فئات تعيشُ من نفوذها السياسي، وليس من نشاطها الاقتصادي.
ولكن لم تطو صفحة سيئة سابقة حتى توالت صفحات أشد سوءا وسوادا وعتمة وحلكة، فما مات في القرية كلب استرحنا من عواه حتى خلّف الملعون جروا فاق بالنبح أباه، بل خلّف جراوي.
فقد نشرت صحيفة (الديلي ميل) البريطانية تقريرا عن الوضع السياسي العراقي وواضعي سياسته، وذكرت أن البرلمان العراقي هو أفسد مؤسسة في التأريخ، لأن السادة النواب المحترمين لم يضعوا قانونا واحدا يهمّ البلد ويفيده، ومع ذلك فهم يسكنون مجانا في أرقى
قصور بغداد وفنادقها، ويُعالجون مجانا في أرقى مشافي العالم، وتُصرف لهم مخصصات الهاتف والوقود مع الحمايات الكثيرة والوهمية ومع توفير السيارات باهظة الثمن باستثناء بعض نبيل, وحتى بعد انتهاء دورتهم يبدأ مسلسل الرواتب التقاعدية الخيالية.
وفوق كلّ ذلك يتسلمون رواتب وامتيازات يحلم بها رؤساء أعظم الدول، فالبرلماني العراقي ـ حسب الصحيفة البريطانية ـ يتقاضى ألف دولار عن كلّ عشرين دقيقة عمل، لأنه يعمل لمدة عشرين دقيقة فقط في اليوم الواحد طوال السنة. وهذا ما يوازيك أن تؤلف كتابا وتسميه (الباه.. كيف فاق البرلماني أباه).