يعلم الجميع بأن أول حراك جماهيري ضد طغمة الفساد والفشل، وضد الطائفية السياسية والمحاصصة المقيتة، انطلق في شباط من عام 2011، وقد كان ذلك الحراك بقيادة وتوجيه القوى المدنية والديمقراطية، واستقطب مئات الالاف من المواطنين، وكلنا يتذكر كيف ظهر على شاشة التلفاز السيد نوري المالكي وهو مرعوب، ووجه خطابا يطلب فيه من المواطنين عدم المشاركة في تلك التظاهرة الجماهيرية، وقامت الاجهزة الامنية بقطع الطرق، لمنع الجماهير الغفيرة من المشاركة فيها، بالرغم من كل تلك الاجراءات، كانت مشاركة شعبية واسعة، مما حدى بالسيد المالكي من توجيه خطاب تخديري لابناء الشعب يطلب فيه من الجماهير المنتفضة امهاله مئة يوم لاجراء الاصلاحات! ومضت مئات الايام ولم يحصد المواطن من تلك الوعود غير المزيد من المآسي والمحن. في ذلك الوقت كانت كل القوى المشاركة في السلطة بمن فيها من يتزعم الان الاعتصامات والتظاهرات، كانت تلك القوى تطلب اعطاء الحكومة مهلة لاجراء الاصلاحات! وساهمت في تخدير الناس، بالتالي هي المسؤولة عن ضياع فرصة تاريخية لاجراء اصلاحات جذرية، كانت ستغير مجرى العملية السياسية ووضعها على سكتها الصحيحة.اما ما يجري اليوم فهو ركوب موجة الانتفاضة الشعبية التي انطلقت في شهرب آب من العام الماضي ولم تكن هناك مشاركة لاية قوى غير القوى المدنية الديمقراطية وشاركت جموع واسعة من ابناء الشعب بمختلف اطيافهم في تلك الهبة، ثم انظم الصدريون الى ذلك الحراك الشعبي وزادته زخما كبيرا، ثم تطور الامر الى الاعتصام امام بوابات المنطقة الخضراء، مما حدى بالسيد العبادي الى الاعلان عن اجراء تغيير وزاري جزئي او شامل خارج منظومة الاحزاب المتنفذة والتي سميت بحكومة التكنوقراط، لكن الايام مضت وقل الزخم الجماهيري وانطفأت شعلة الاعتصامات، ظهر بعد ذلك ان رئيس الوزراء كان يلعب على الزمن كسابقه السيد المالكي، لكنه لم يجيد اللعبة، فعلى حين غرة تجمع نواب من كتل مختلفة معضمها شاركت في كل ما وصل اليه العراق من خراب ودمار وسقوط للمدن بيد عصابات داعش الارهابية، وهي متهمة بالفساد والفشل، واقطابها كانوا لوقت قصير يضربون على وتر الطائفية ويكيلون التهم للعلمانيين والمدنيين ويدافعون بقوة عن الفترة التي قادوا فيها البلاد من فشل الى فشل، نراهم اليوم يركبون الموجة بل اكاد اقول انهم نجحوا في حيلتهم واصبحوا هم دعاة الاصلاح والتغيير ويلعنون المحاصصة، كأن لم يكونوا هم صانعيها، والغريب في الامر، اصطفاف الذين كانوا يكيلون ابشع التهم لهؤلاء ويرفعون صورهم ويضربونها (بالاحذية) امام الجماهير، اصبح هؤلاء بين ليلة وضحاها حلفاء لاندري ضد من؟ وهل ان العبادي هو وحده المسؤول عن ضياع وافلاس البلد؟ وهل هو وحده المسؤول عن تجذير الطائفية السياسية في العراق؟ ام يريدون ان يجعلوا منه كبش فداء لاصلاحاتهم المزعومة؟ اما الشيئ الاخر الذي يدعو الى الدهشة والاستغراب هو انخراط قائمة علاوي مع الجوقة الجديدة للاصلاح وعلاوي الذي اطنب رؤوس الناس طيلة عقد من الزمن بخطاباته المعهودة عن الوطنية والمواطنة والطائفية المقيتة وغيره!! نراه اليوم يقف الى جانب من هاجمهم بالامس، يا للمفارقة في هذا الزمن الرديء، المواطن في حيرة من أمر هؤلاء الساسة المتقلبين المتلونيين، اقولها بصراحة، ان اللعبة اصبحت بيد المالكي ويديرها بذكاء، وسوف يبدأ من ذي بدأ من الانتقام من خصمه العبادي الذي انتزع منه السلطة ثم ينتهي بالاخرين الذين يعزفون معه ومع قائمته سمفونية الاصلاح! يالها من مهازل تجري على ارض العراق.اما من يدعي خلاف ذلك، فعليه ان يلقي نظرة على الاصطفاف الاصلاحي الجديد، فالنواب المعتصمين عددهم 171 نائبان فلو اخرجنا كتلة الاحرار الصدريين وعددهم 34 عضوا وكتلة علاوي وعددهم 20 عضوا يضاف اليهم عدد لا يتجاوز العشرون عضوا انشقوا عن الكتلة السنية المسماة اتحاد القوى، وعدد قليل من نواب آخرين فلو جمعنا كل هؤء فلا يتعدى عددهم الـ 80 نائبا يبقى ما يقارب الـ 90 نائبا فهم كتلة دولة القانون، واختاروا النائب النشط في دولة القانون هيثم الجبوري ناطقا بأسمهم ووقف الى جانبيه ممثلا كتلة علاوي وكتلة الاحرار، في المؤتمر الصحفي الذي عقدوه، ليزفوا بشرى نزعهم ثوب الطائفية. هنيئا للعراقيين بهذا العرس الاصلاحي، هذا ما حصدوه جراء ركضهم خلف تلك القوى متوهمين بأنهم ركبوا قارب النجاة، الذي سيخلصهم من آتون الطائفية والفشل والفساد!.اما انور الحمداني وقناته البغدادية الذي يزعم انه هو واستاذه عون الخشلوك هم صانعوا التغيير، فعليه ان يخجل من نفسه، والكل يتذكر كيف كان الى وقت قريب يكيل الشتائم وحتى بكلمات نابية للمالكي وكتلته وبالاسماء، ابتداءا بالسيد المالكي ومرورا بالفتلاوي وانتهاء بنصيف واصهار المالكي واقربائه الذين يقودون الان ثورة الاصلاح والتغيير!! اقول كيف اصبح انور وقناته الان بوقا لهؤلاء الثوار المصلحين؟!، يستضيفهم على قناته وينعت عليهم صفة الثوار والاحرار، ماشاء لله على هذه المقاييس في وطنية وثورية واحرار هذا الزمان .اقول في النهاية كيف ان الزمن يفرز الغث من السمين، وكيف الايام تكشف عن غطاء التلون والانتهازية عن الوجوه التي تستغل معاناة الشعب وتتجار بدمائه من اجل كرسي زائل ومجد زائف. واخيرا نجح المالكي في انقلابه الابيض بأمتياز، وسقط الاخرون في الفخ الذي نصبه لهم والايام ستشهد على ما نقول