18 ديسمبر، 2024 1:36 م

سياسات تعميم التنمية

سياسات تعميم التنمية

أنجزنا في الأردن كثيرا مما يدعو إليه تقرير التنمية البشرية لأجل تعميم التنمية، لكن ينقصنا الكثير أيضا. فالأردن مغطى تغطية كاملة (تقريبا) بالطرق والتعليم والكهرباء والاتصالات والرعاية الصحية الأولية، وقطعنا شوطا في المشاركة العامة والديمقراطية، لكننا نواجه قصورا وخللا في نوعية التعليم والخدمات الأساسية وشمولها ونقصا هائلا في الرعاية الاجتماعية والصحية لكبار السن والمعوقين وفي السكن والنقل والتخطيط الحضري والسياسات الضريبية، وهناك حاجة كبرى لمراجعة سياسات التنمية نفسها وما يبدو إنجازا لملاحظة أثرها الفعلي وآثارها الجانبية التي تعصف بمكتسباتها، مثل الهجرة من المحافظات إلى عمان، والتلوث، وأزمات النقل والمرور، والجريمة والانتحار، والطلاق، وتراجع الدور الاقتصادي للزراعة، وانحسار الغابات، والاتجاهات الاستهلاكية والسلوك غير الاجتماعي.
يبدأ تعميم التنمية بتطوير التعليم في محتواه واتجاهاته وأساليبه، وقد جاءت توصيات التقرير في هذا المجال متطابقة مع ما أكد عليه كثيرون ناشطون في مجال إصلاح التعليم، وهي التعليم المستمر مدى الحياة، والتفكير النقدي، والتعاون والإبداع والتواصل. وفي التعليم والتدريب تشمل الفئات المستهدفة منه جميع المواطنين وليس فقط الطلاب والتلاميذ في المدارس والجامعات؛ ذلك أن التغير الكبير في المهارات والمعارف والتطور العلمي السريع يقتضي بالضرورة التوجه إلى جميع المواطنين بمختلف فئاتهم ومواقعهم لمواكبة مستجدات المعرفة وتطوير وتكييف قدراتهم وإمكانياتهم، ومن المعلوم أن ثلث المهارات والمعارف التي كانت موجودة قبل عام 1990 قد اختفت ولم تعد مفيدة اليوم، وفي الوقت نفسه فقد حلت مهارات ومعارف كثيرة جدا صار ضروريا اكتسابها، ويتجه التعليم أيضا إلى تأهيل الإنسان بعامة وليس فقط لأغراض العمل المؤسسي لكن ليكون قادرا على تعليم نفسه بنفسه وأن يعمل بنفسه لنفسه، وأن يداوي نفسه بنفسه.
التحدي الكبير المسكوت عنه في الأردن هو الرعاية الاجتماعية والصحية لفئات محددة مثل كبار السن والمعوقين والمرضى مرضا مزمنا مثل مرضى متلازمة داون والتوحد والسرطان والسكر والضغط والقلب، وهؤلاء يمثلون نسبة كبيرة من السكان، وتعاني نسبة كبيرة منهم في صمت، ومن أفضل ما يمكن تقديمه هو تدريب الأسر ودعمها، ومراقبتها أيضا. إذ تتعرض فئة واسعة من هؤلاء للإساءة والإهمال والتهميش، ويجري ذلك في صمت أو على نحو متقبل ومتواطَأ عليه.
وقد حان الوقت لاعتبار ربات المنازل نساء عاملات مشمولات بالضمان الاجتماعي والتأمين الصحي، وإن كان متقبلا ألا يتقاضين أجرا مقابل ذلك فقد حان الوقت لتشريع إلزامي لإشراكهن بالضمان الاجتماعي، وقد يكون مناسبا في حالات يمكن تحديدها أن تتحمل الحكومة ثلثي الاشتراك ويتحمل الزوج الثلث الباقي.
وأخيرا هناك أولوية قصوى وفورية لمراجعة ومتابعة أنظمة التخطيط الحضري لتكون الأرصفة ملائمة للمشاة ووقف الاعتداءات عليها وعلى الارتدادات والفضاءات المنصوص عليها في التشريعات، واستعادة الحدائق والفضاءات العامة والتوسع بها وشمولها بخدمة الانترنت مجانا، والتخطيط وإعادة التخطيط لتكون الشوارع أكثر امانا وملاءمة للساكنين على النحو الذي يتيح للأطفال وكبار السن والمعوقين أن يتحركوا في سهولة وأمان.
نقلا عن الغد الاردنية