عندما يكون الخطرُ بعيداً عن أمنها القومي …وعندما يكون الحطبُ والنارُ والمِقلاةُ, في غيرِ أرضِها وأهلِها ومَرمى مَصالحِها …#فعندها تكون الشعوبُ أقلُ من حقلِ تجاربٍ, بل أحقرُ من فأران التجاربِ, التي يحيا مَن يحيا, ويموتُ مَن يموتُ, لأنها خُلِقتْ للتجربةِ والإختبارِ لا للعيشِ والإهتمامِ !!!
فلا بأسَ أن تسمح أميركا -البارعةُ في خَلقِ العملاءِ وإستعبادِ الشعوبِ ونهبِ الخيراتِ- لأكثرِ من قوةٍ أن تنمو في المنطقةِ الواحدةِ, ولا بأسَ أن تسمحَ لبسطِ نفوذها على أرضٍ واسعةٍ يُمكنُ السيطرةُ عليها في أي وقتٍ شاءتْ ورغبتْ …
ولا ضيرَ بالسماحِ لأي تنظيمٍ بالنمو والإتساعِ وبسطِ النفوذِ ما لم يُأثر على أمنها القومي, بشرطٍ : أن لا يكون صاحبها مستوعباً للمشاريعِ الإصلاحيةِ الحقيقيةِ المستمدِ من الدينِ والمثلِ الإنسانيةِ العليا, وبالتالي سيكون نجاحُ مثلَ هؤلاءِ بمثابةِ التبشيرِ للدينِ الإسلامي بشكلٍ عملٍ وواقعٍ …
نعم .. فكما لهم القدرةُ والسلطةُ في صناعةِ أبطالِ الأفلامِ الهوليوديةِ, وجعلِ مَن يرغبونَ أن يحصدَ جائزةِ الأوسكارِ العالميةِ, فقط عندما يجعلونهُ في دورِ البطلِ الذي أحسِنَ حواره وكتابةِ قصتهِ, سيجعلونَ منهُ الأبرز نجماً والأرفع شأناً من بين ملايين آلافِ الممثلينَ الأفضلِ منهُ …
نعم .. فهم ينظرون للعالمِ كالفلمِ الكبيرِ والى شُخوصهِ كالفنانينَ, يرفعونَ مَن شاؤوا بأن يحسنوا له كتابةِ الحوارِ وتسخير النجومةِ الإعلاميةِ بعدَ ذلك, ويضعون مَن شاؤوا حتى لو كانَ من أبرعِ الناسِ فناً وتمثيلاً وإخراجاً !!!
هكذا هم يصنعونَ الأبطالَ, ويخلدونَ الشخصياتِ !!!
وأنا متأكدٌ أن أكثرِ الناسِ لمعاناً ونجوميةً هم صنيعةُ الإعلامِ الغربي والشرقي وباقي المؤسساتِ التابعة لهما, فيسلطونَ الأضواءَ على شخصٍ ليراه الناس, ويُغيبوها عن آخر فلا يجد الناسِ إليهِ سبيلاً !!!
وإذا كانت الشهرتُ بهذا المستوى من الصنيعةِ والإصطناعِ, فيمكن أن نحتقرها مع جلالةِ قدرها لأنها قامتْ على غيرِ أساسها, وصارت إلعوبةِ بأيدي السماسرةِ والدعاة من الناسِ !!!
ولكن أقولُ لكم أحبتي : (أن يُسألَ المرءُ لماذا لم يَلمَعْ نجمُكَ, خيراً لهُ أن يُسألَ لماذا لَمَعَ نجمُكَ) !!!
والآن أقول مصداقاً لما قلتهُ أعلاه …
كم مرةٍ إستطاعت القواتِ الأميركيةِ من إلقاءِ القبضِ على زعيمِ جيشِ المهدي#مقتدى_الصدر, وبات بينهُ وبينَ قتلهِ أو تكبيلِ ذراعيهِ بضعُ أمتارِ, ولكن لم يُلق القبض عليهِ ولم يُقتل !!!
أليس أمرُ السماحِ لهُ بالخروجِ مِن حربِ النجفِ الثانيةِ بوساطةِ#مرجعيةِ_السيستاني أمراً يُثيرُ الإستغرابِ ومدعاةِ للتعجبِ بما للتعجبِ مِن معنى ؟!!
فلا شكَ ولا شبهةَ بأن أمرَ العمالةِ لمرجعيةِ النجفِ الأشرفِ أوضحُ من الشمسِ في رابعةِ النهارِ, بل وصرحَ بها الكثير من القيادات الأميركية البرطانية نهاراً جهاراً, كمذكراتِ رامسفيلد وبلير, هذا شيءٌ …
والشيءُ الآخرُ هو توسطُ مقطوعُ العمالةِ #السيستاني لرأسِ الحربةِ في ميلشياتِ جيش المهدي #مقتدى_الصدر, زعيم المقاومةِ في النجفِ عام 2005 , أعطى ممراً آمناً لخروجهِ من القبضةِ الأميركية غيرِ الراغبةِ بقتلهِ أو إلقاءِ القبضِ عليها يومها, بعد أن جعلتْ منهُ قائداً ميدانياً هوليودياً بإمتياز, بل وسمحت له بالظهور الإعلامي في كل القنواتِ الفضائيةِ العالميةِ أبانِ حربِ النجف الأشرف !!!
والآن مِن الأمرِ المقطوعِ فيهِ جداً والراجحِ جداً أن #مرجعيةِ_السيستاني هي على عِلمٍ وإطلاعٍ كاملينِ بالدورِ الذي سيلعبهُ #مقتدى_الصدرِ في المستقبل, وإلا ما سرُ بقائها ساكتةً طوالَ أشهرٍ من حربِ النجفِ حتى أوشكَ الإحتلال الأميركي على قتلِ مقتدى الصدر أو إعتقالهِ !!!
هلَ كانَ السيستاني على علمٍ وإطلاعٍ بأن القنابلَ الأميركية لا تصل حرمَ أميرِ المؤمنينَ عليهِ الصلاةِ والسلامِ عندما كانت الحربِ في مقبرةِ وادي السلام ؟!!
وعندما صارَ الأميركانُ على أعتابِ مرقدِ أميرِ المؤمنينَ وعلى بعدِ بضعةِ أمتارِ خافَتْ وخَشِيتْ #مرجعيةُ_النجف_الأشرف على قبةِ أمير المؤمنينَ من الإنهيارِ بنيرانِ الدبابات والمدافعِ والطائراتِ الأميركية …
فهل يُخشى ويُخاف من النيرانِ البعيدةِ أم القريبةِ ؟!!
وهل يُتَوقعُ أن الأميركان كانوا عازمينَ على إنهاءِ الحربِ بضربةٍ صاروخيةٍ جويةٍ موجهةٍ على مرقدِ أميرِ المؤمنينَ عليهِ السلامِ حيثُ يقطن#الزعيم_مقتدى_الصدر, ومنعهم هيبةُ أميرِ المؤمنينَ عليهِ السلام أو الخوفُ من هياجٍ وتحركٍ شعبي شيعي ؟!!
إذن من البدايةِ كان الهدفِ من حرب النجف 2005 هو أخذُ الولاءِ التامِ من #مقتدى_الصدر الى #مرجعية_النجف, مع توفيرِ الغطاءِ الإعلامي الكبيرِ للجعلِ منهُ الزعيمَ الشيعي الذي أبكى الإحتلالِ الأميركي في حربِ النجفِ الثانيةِ !!!
وبالحقيقةِ تحقق الهدفانِ وبشكلٍ واضحٍ :
1- لم يتجرأ مقتدى الصدر أن ينالَ من مرجعيةِ السيستاني بعدَ حرب النجف أبداً, بل فور إلقاء خطابهُ الذي سلمَ بها مقاليدَ الحرم العلوي الى مرجعيةِ السيستاني, لقبها بالمرجعةِ العليا في النجفِ الأشرفِ !!!, بل خالفَ والدهُ -الشهيد الصدر الثاني- صراحةً, حيثُ كانَ السيستاني العدو اللدود لمرجعةِ الصدر المقدس رضوان الله تعالى عليهِ, وهذا منشور بكثرةٍ على مواقعِ اليوتيوب …
2- صار أكبرَ زعيمٍ شيعي يمتلكَ قاعدةً شعبيةً عسكريةً, والتي جمدها مرتين بعدَ حربِ النجفِ مباشرةً, حيثُ لم تطلق رصاصةً واحدة ضد الإحتلالِ الأميركي, بل إكتفى بإفتعالِ الأزماتِ الداخليةِ قبيلَ ذهابهِ الى إيرانَ ومكوثهِ فيها, وما تجميداتهُ الأخيرةِ بعد خروج الإحتلال الأميركي إلا تمويهاً وتغطيةً للتجميدين الأولين …
وبعدَ هذا الإعداد وعلى مدارِ أكثر من عشرةِ سنواتٍ تقريباً, جاء قطفُ الثمراتِ من صناعتهِ أميركياً وسيستانياً …
فالمطالبُ التي عجزَ السيستاني من الحصولِ عليها بقداستهِ سيحصل عليها بمكرهِ وخداعهِ, وهنا تكمن خطورةُ مرجعةِ السيستاني, بقدرتها على تحريك الأشياء عن بعد وبخفاءٍ شعبي تامٍ …
وما ورقةُ الإصلاحاتِ إلا نتاجِ مطبخِ السيستاني, وهذا ما كشفتهُ مرجعيةِ السيستاني بدهاءٍ من خلال رعايتِها لإجتماعِ كربلاء المقدسةِ, حيثُ الناطق الرسمي بإسمها …
وهنا بثتْ مرجعيةُ السيستاني رسالةٌ مشفرةٌ يفهمها دهاتُ السياسةِ ويجهلها الأعم الأغلب من الشارعِ العراقي والعالمي, والتي مفادها : (أن إنسحابَ السيستاني من العمليةِ الإصلاحيةِ بسبب عدم الموافقةِ على ورقةِ إصلاحاتهِ التي قدمها, فتح عليكم بابَ الموتِ الأحمرِ من أكبرِ قائدٍ ميليشاوي لا يجيد لغةِ التحاورِ فضلاً عن النفاهم, وإنَّ هذا الوحش الذي أُطلِقَ سراحهُ بأمرٍ من مرجعيةِ السيستاني) !!!
نعم …
إن تحرك مقتدى الصدرِ الأخيرةِ جائت برعايةِ السيستاني والتي سيكشف عنها مستقبلاً في حالِ نجاحها, ولكن في حالِ فشلها سيكون السيستاني أبرء من الذئب من دم يوسف عليهِ السلامِ, فهذا الرجل إعتاد على مسكِ الجمرةِ بطرفِ المِلقط !!!
وهنا لا بدَ من معرفةِ أن الهيبةَ والقداسةَ التي يجب أن تتمتعَ بها المرجعياتِ الشيعيةِ المزورقةِ, لا يتناسب معها الحراكُ الشعبي كالمظاهراتِ الإعتصاماتِ والمظاهرِ المسلحةِ, بينما مع قائدٍ ميلشياوي بارعٍ بإفتعالِ الأزماتِ الداخليةِ كمقتدى الصدر فالأمرُ مختلفٌ تماماً, حيثُ لا جودَ للهيبةِ والقداسةِ أبداً حتى لو إصطنعها …
وهنا أودُ القولُ لكم شيئاً ما :
إن كشفَ المرجعية الشيعية في النجفِ الأشرفِ عن رعايتها سراً لمباحثاتِ التفاوض, يكشفُ وبشكلٍ جلي جداً أن أميركا هي من تحرك الأمرِ عن بعدٍ, وسرُ تبني الجانبُ الأميركي لهذا الحراكِ الشعبي لا يخلو من أمرين إثنين أبداً :
1- عزمها على معاقبةِ العملاء من السياسيين العراقيين الذي الفضل الأكبر لأميركا أن جعلتهم يرون الدولار والدينار, بعد ما كانوا حفاة وباعةً متجولينَ في تقاطعاتِ الدول الغربيةِ والشرقيةِ, حيثُ إستبدلوا العمالةَ لها بالعمالةِ لإيران بعد خروجهم من العراق 2012 …
2- إرباكُ الوضعِ العراقي جنوبياً -وهذا ما أكدتُ عليهِ سابقاً- لفتحِ جبهةٍ جنوبيةٍ محاذيةٍ لإيران, لإستخدامها كأرضٍ بريةٍ للتماسِ مع الجانبِ الإيراني عسكرياً, بل وإشغالِ إيران بأمنها الحدودي مع العراق وإفغانستان وباكستان وتركمانستان وتركيا وارمينا, مع إيجاد الأرض الرخوة أمنياً وبالخصوص من الجانبِ العراقي جنوباً …
والأمرُ الأولُ بعيدً جداً, لإمكانِ معاقبةِ العرابين والعملاءِ سياسياً او قضائياً أو بأي طريقةٍ أخرى تراها أميركا مناسبةٍ جداً, وبالخصوصِ لكلِ قائدٍ سياسي ملفاً قضائياً وجنائياً معداً مسبقاً …
أما الأمر الثاني فهو الراجح جداً …
لذا فمن الممكن أن ينتقلَ الصراعُ الإصلاحي الى صراعِ بين الحكومةِ العراقيةِ -العرابةُ للمشروع الإيراني إقليمياً- وبين المطالبينَ بالإصلاحِ الحالي, توخياً لهذهِ النتيجةِ عاجلاً أو آجلاً, بنفس السيناريو الذي كشفناه أو بسيناريو آخر الهدف منه كشف الحدود الإيرانيةِ أمام المهربين والتدخل الخارجي المخابراتي …