يبدو إن الأسواق العراقية تسير بمعزل كامل عن ما تشهده الأسواق العالمية ، ففي الوقت الذي شهدت فيه الأسواق العالمية ارتفاعا في أسعار نفط برنت لتبلغ 86،40 دولار للبرميل بعد سلسلة من الانخفاضات السابقة التي أوصلت الأسعار إلى 50، 28 دولار للبرميل ، ومن المتوقع أن تزيد الأسعار في الأسابيع والأشهر القادمة حسب تقديرات وكالة الطاقة الدولية ليوم أمس ( الجمعة ) ، التي اعتبرت إن أسعار النفط قد بلغت أدنى حدودها لتبدأ بالتعافي بعد انخفاض إنتاج المنتجين ومنها الولايات المتحدة الأمريكية ، كما انخفضت أسعار الذهب لتصل إلى 20، 1259 دولار للأوقية ، وتزامن ذلك مع انخفاض الدولار أمام اليورو إلى 12،1 وأمام الين الياباني إلى 750، 112 ورغم ذلك فان الدولار الأمريكي يسجل ارتفاعات أمام الدينار العراقي ، فسعر بيع الدولار في الأسواق المحلية يبلغ حاليا 1270 دينار في حين إن سعر البيع في ما يسمى مزاد البنك المركزي العراقي هو 1190 دينار لكل دولار بالنسبة لحسابات المصارف في الخارج والبيع النقدي ، علما بان مبيعات مزاد البنك المركزي العراقي قد بلغت 91,403,625 مليون دولار ليوم الأربعاء المصادف التاسع من آذار الحالي ومن خلالها تمت تغطية جميع طلبات الشراء ، وان مبيعات المركزي العراقي من 3 / 1 / 2016 لغاية 6 / 3 / 2016 قد بلغت 6,515,986 مليار دولار وهي تزيد بمقدار 1,112,242 مليار دولار عن مبيعات البنك المركزي العراقي خلال نفس الفترة من العام الماضي ، حيث بلغت المبيعات 5,403,842 مليار دولار للمدة من 3 / 1 / 2015 لغاية 9 / 3/ 2015 ، ونشير بهذا الخصوص إلى إن إيرادات بيع النفط العراقي قد بلغت 4,461 مليار دولار خلال شهري كانون الثاني وشباط من العام الحالي أي للمدة من 1 / 1 / 2016 لغاية 29 / 2 / 2016 ، أي إن البنك المركزي قد باع كميات من الدولار في مزاده بأكثر من مبيعات النفط بملياري دولار ، رغم إن إيرادات النفط العراقي لا تذهب جميعا للبيع في المزاد إذ يخصص جزءا منها للاستيراد الحكومية عبر مصرف التجارة العراقي TBI .
والغرض من هذه الأرقام الفعلية وليست افتراضية وهي مأخوذة من مصادر مؤكدة ، هو طرح عددا من التساؤلات المشروعة أبرزها :
من أين تتم تغطية الفرق في مبيعات الدولار في المزاد كون المبيعات اقل من إيرادات النفط ؟
هل يمكن أن تكون تسمية المزاد صحيحة لان العملية هي تبديل الدينار بالدولار بسعر ثابت ؟
لماذا يزداد سعر صرف الدولار مقابل الدينار العراقي في الأسواق المحلية ولا يتغير بالمزاد ؟
هل يمتلك البنك المركزي العراقي أدوات للرقابة على شركات الصيرفة للالتزام بالأسعار ؟
ماذا يمكن تسمية الفرق بين سعر صرف الرسمي والسوق والبالغ 80 دينار لكل دولار ؟
لماذا لا يتم شمول البنك المركزي بحملة الاصلاحات الحكومية بضوء انخفاض الإيرادات ؟
ما هي الأغراض التي تتم تغطيتها من خلال بيع أكثر من 90 مليون دولار يوميا ؟
ولا نعتقد إننا سنجد إجابات كافية ومقنعة لهذه التساؤلات فقد طرحت لأكثر من مرة ولم تجد آذانا صاغية لها ، كما عرضت العديد من الآراء والمقترحات التي يمكن من خلالها تصحيح أسعار الصرف لغرض التوجيه العقلاني للاقتصاد لأننا نمر بأزمة مالية ويجب مواجهتها بإجراءات مالية مناسبة ، ونجزم بان كل ما تم طرحه من تلك الآراء سيتم اللجوء إليه لو تم استنفاذ الاحتياطي العراقي من العملات الصعبة لان اللجوء لبيع الدولار بأكثر من إيرادات النفط ( وهي المصدر الوحيد للعملات الأجنبية ) وعند استنفاذ الاحتياطيات أو انخفاضها سيكون تطبيق التغيير بسعر صرف الدولار مقابل الدينار العراقي يشكل عبئا على الشعب لان أوانه قد فات ، علما إن الوضع المالي الحالي يشير بشكل واضح إلى استخدام الاحتياطيات إذ لا توجد بيانات عن حجمها ومقدارها بعد أن كانت بحدود 59 مليار دولار ، وان التساؤلات أعلاه تطرح العديد من علامات الاستفهام حول المستفيد الحقيقي من بيع الدولار فيما يسمى بالمزاد ، لان المواطن يتضرر ثلاث مرات من هذه السياسات أولها انه يشتري حاجته من الدولار للسفر أو العلاج بسعر مرتفع ، وثانيها إن الارتفاع بأسعار الدولار يؤثر على أسعار السلع والخدمات لان جميعها مقومة بسعر الدولار ، وثالثها إن الاحتياطي الوطني من الدولار هو من حقوق كل مواطن ، ومن غير المناسب التصرف به لخدمة واستفادة فئات معينة أو متنفذة في المجتمع تحت غطاء مزاد العملة ، فكل دولار يباع خارج المزاد فيه ربح بمقدار 80 دينار عراقي أي إن نسبة ربح الدولار الواحد 6,7% في كل حالة شراء وبيع والحالات مستمرة وغير متوقفة حيث تجري في كل يوم ، وهذه النسبة تشكل ثروة لمبيعات تزيد عن 6 مليارات دولار خلال شهرين فقط لان هذا المبلغ لوحده يمثل موازنة لسنة كاملة لإحدى دول الجوار التي أصبحت أكثر تقدما من العراق وسعر الصرف فيها لم يتغير منذ ربع قرن ، وهذه الأمور غير خافية على احد من الحكومة ومجلس النواب والمختصين والسياسيين واغلب الجمهور ولكنها باقية على حالها دون علاج ، ونعتقد إنها باتت من الحالات المزمنة والمعقدة التي تحتاج إلى الاستعانة بخبراء دوليين في مجال الإشراف والرقابة وعرض التقارير الدورية بكل شفافية ووضوح ، حيث إن هناك حالات من عدم الاطمئنان للتشابك الحالي بين الجهات المعنية في الدولة بخصوص الحلول المفقودة لمعالجة شبهات الفساد بأنواعه المحتملة في موضوع مبيعات الدولار بالذات ، حيث انه يتم بشكل رتيب وخارج المتغيرات العالمية والاقتصادية بما يتيح الفرصة للاجابة عن الكثير من التساؤلات ومحاسبة المقصرين متى ما انكشفت حقائق عن هذه الموضوع الحيوي والمهم .