26 نوفمبر، 2024 12:31 م
Search
Close this search box.

إمتلاك .. منحوتات طينية لازالت الى الآن تحت الشمس

إمتلاك .. منحوتات طينية لازالت الى الآن تحت الشمس

تشكل المحفزات الإنسانية جانبها الأهم في (إمتلاك ) المجموعة القصصية للقاص والكاتب أحمد جبار غريب، تشكل الأسباب الموجبة لرؤيا عالمه الذي وقع أصلا فريسة لوقائعه الذاتية تلك التي أُجبر عليها كالحرب مثلا والتي عاشها بتفاصيلها المأساوية ، أو تلك الوقائع التي تتصل بوجوده ضمن ترتيبات الصراع اليومي للحياة من أجل الإستمرار ضمن حراكها كي يشهد بنفسه على وجود إنسانيته ، وقد هيأ القاص مفارقاته للإنتقال عبر مسافاته المكانية لمتابعة مجرى الأحداث ضمن مقودها اللغوي الموحد أي لغة عارفة بما تريد وكاشفة لخلجات الروح وباطنية المغزى ، ونحن هنا أمام شخصية تسرد بأمانة تكوينها بصراحة وبصرامة غير معهودة مادام كل شيء قد حدث ولم يترك له القدر غصنا رطبا كي يلامس به شفاهه بل لم يترك له ثقباً في جدران محنته كي ينفذ من خلاله ، ورغم ذلك كله فقد تلمس عظمة الحياة من أشياءه اليومية البريئة ، إكتشف مفرداته من خلال(عملية جراحية – مولدة- من رجل يحتضر- من خيالات- من كلمات متقاطعة
…) والغريب أن هذه الأشياء البريئة والبسيطة لا حلول لها كونها حفرت في وجدان القاص نفقا مظلما خلال سنينَ عجاف وعرجاء ، فقد رسم القاص أحمد جبار غريب صورا بالغة الجودة لقصصه بفعل حسه العاطفي المرهف وخزينه النفسي المتمرد فهو يقول في أحد قصصه (ياإلهي ماذا أعمل في هذه الظهيرة القائظة التي تلسعني حرارتها. لقد مضت ساعات طوال دون أن أبيع نعلا واحداً..أشعة الشمس الحارقة ضربت في بضاعتي وجعلت منظر المداسات مذعورا كوجهي الكالح ..)وتبعا لذلك التوهج وتلك اللغة وإدامة طاقة الخطاب عبر ماضمت المراحل العمرية من خزين ذكرياتها ، ذلك الخزين الذي تكون من خلال بديهية الفطرة حاله حال أقرانه الذين ينشدون الأناشيد ويقيمون حلقات اللعب وينتظرون المطر ويحلمون بالبطولة حتى وإن كانت حلما أو وهماً ، ولاشك بأن القاص قد وضع اللبنة الأولية لأحاسيسه ولمدركاته ولتوقعه الإقتراب من عالم ليس بالسخي ، عالم تتنازع فيه الرغبات عالم المَجد فيه لمن يقتنص الفرصةَ بلا معرفة وبلا حقٍ ، عالم مليء بالتفاهة والأنانية ، إزاء الشعور الذي يصاحب القاص دائما بالبراءة وعدم الإكتراث بما يحدث في العالم وهو يعيش في مرحلة ما عالمه الشخصي المؤلم وحياته التي كادت توشك على الإنهيار (أستجمع في ذاكرتي ضرب أمي بقسوة ، ضرب معلمي وعقابه لي دائماً ) لكني كما يقول كل شيء أحاول أن أتناساه( وأعمل من الطين عندما تمطر السماء منحوتات جميلة أضعها في الشمس الى الآن لتجف ) ،ولعل
أحمد جبار الغريب أراد أن يضع أمام تلك الوقائع يضع في ذاته مصدا ما ، صحبة أمينة ، روحا تتحسس كيانه ، شيئا يحاول إمتلاكه رمزا ،تتجسد في هذا الشيء الزمانية والمكانية والعاطفة والنبل والثراء والطهارة كي تفيض روحه مودة لما في فضائه الشاسع 0( ومع إحتواء الفضاء الذي أمامي ، وسكونه الخلاب ترتفع أصوات الطيور المغردة وحفيف الأحراش التي تدفعها الرياح ، يشعرني ذلك بإمتلاك النهر لأحاسيسي فأنزل للأسفل قليلا وأقترب من جوفه وأنهل من ثغره بكفي لأرتوي وأقبله وأضع رأسي في قاعه )،ورغم هذه العاطفة التي تجمع بين الرمز والحقيقية فأن القاص يقدم للمتلقي مدخله الذي أسس عليه بنيويته لإعادة إنتاج الذات ، الذات المدمرة عبر مراحلها التكوينية والدخول الى الحياة الرحبة المعاصرة عبر مواجهة الضرر الروحي والخروج من العالم الرتيب والبالي والمنغلق ،
ولعلي وجدت بإمتلاك المجموعة القصصية الصادرة عن دائرة الشئون الثقافية ، ماكان يسعدني حين أعادني القاص الى الشعور المتوازن في معايشة الوقائع بثبات وبتروية وبجدية كونه كتب قصصه كما ذكرت في بدايتي كتبها بصدق وبصرامة فكانت أحاسيسه فاعلة ومثمرة وكان توزيعه لموجوداته على مساحة بنيته القصصية موفقا
مما يعني أن خطابه القصصي منجزا بما أراد من هذا الخطاب بحجم جمالي مكثف وبروح تواقة للخلاص من العبودية ،
[email protected]

أحدث المقالات