قد يتسائل المرء لماذا حصلت كل هذه الفوضى في الحياة السياسية والمجتمع في العراق . ولماذا كل هذا الهرج والمرج في مجلس النواب . . حتى دب الخراب في كل ركن من اركان الدولة . . هل نحن شعب متخلف الى درجة اننا لانستطيع ان نحكم انفسنا بالشكل الديموقراطي المتدن ؟
بالرغم من ان كثير من الناس بسطاء واميين ، الا انني اعتقد ان الشعب يستحق الحياة السياسية اللائقة به ، خصوصا وان له تجارب ديموقراطية قديمة . . كما اعتقد ان السبب وراء كل هذا التهريج والفلتان يعود الى بعض الطائفيين والعنصريين من الشيعة والسنة والكورد الذين شكلوا احزابا وتكتلات باسم الديموقراطية لابتزاز المواطنين ونهب الدولة . واساس وجود هؤلاء الساسة الطفيليين الذين لايملكون اي خبرة في العمل السياسي او الاداري يعود الى بدايات الاحتلال وتنصيب بريمر حاكما مدنيا في العراق . ويبدو انه كان مقررا تطبيق نموذج شكلي من الديموقراطية في العراق لتبرير الاحتلال لهذا البلد العريق . . ومن هذا المنطلق تم تأسيس مجلس حكم يضم عناصر دينية شيعية وسنية وكوردية من ذوي الفكر المتخلف او الشوفوني
هذا كان اساس التجربة الديموقراطية في العراق . وعندما تخطط للاساس فان شكل البناء سيكون على وفق ماهو مخطط له . وبذلك فان العملية السياسية استمرت بنفس النهج الذي سار عليه مجلس الحكم . . حتى وصلنا الى مجلس النواب الحالي الذي يضم مجموعة من الاشخاص اصحاب اجندات خارجية غير وطنية ، او من الوصوليين الانتهازيين ، تم تقديمهم على اعتبار انهم ممثلي الشعب . ونستثني من ذلك البعض ممن لاحول ولا قوة لهم و المطمئنين على الامتيازات الممنوحة لهم مقابل سكوتهم عن المهازل والمؤامرات التي تحاك في المجلس مع استمرار الابتزاز والمزايدات من خلال استجواب الوزراء واقالة البعض منهم حسب الاهواء والمصالح مع ابقاء الفاسدين في السلطة كل حسب الجهة التي تحميه مثلما حصل في استجواب وزيرة الصحة مؤخرا
ولم يكتفي مجلس النواب بذلك بل ان المهاترات والمزايدات بينهم بقيت مستمرة . وكل يوم يخرج الينا نائب او اكثر وهو ينهال بالسب والشتم على الكتل الاخرى لمخالفتهم له في مهرجانات مسرحية ممجوجة ،. حتى امتد الخلاف الى داخل الكتل والتحالفات الحاكمة . وهو خلاف بعيد كل البعد عن مصلحة الوطن والمواطن . بل هو خلاف للاستحواذ على سلطة اكبر وسلب اكثر للمال العام . وقد انعكس كل هذا على مؤسسات الدولة فصارت الوزارات والمناصب تباع وتشترى بملايين الدولارات
ورب سائل يسأل كيف وصل بنا الحال الى هذا الوضع المزري وكيف حصل هؤلاء النواب على مقاعد في البرلمان وتسببوا في تخريب مرافق الدولة المختلفة ؟
ان الجواب اسهل كثيرا من هذا السؤال . . حيث ان القرارت والقوانين التي سنها الحاكم المدني ابتداءا . ثم استكملها رئيس الوزراء السابق قد ضمنت فوز كتلته بعدد كبير من الاصوات وذلك من خلال تزوير الانتخابات بطرق شتى . . ولا زالت نتائج الانتخابات الاخيرة المزورة تهيمن على مجلس النواب . وحتى على التحالف الوطني لحصول زعيم هذه الكتلة على نسبة كبيرة من الاصوات . وقد تحقق له ذلك من خلال قرارات الاجتثاث وكذلك استبعاد بعض المرشحين من قبل القضاء المسيس . والتلاعب بصناديق الاقتراع بالتعاون مع المفوضية غير المستقلة للانتخابات
وعلى هذا الاساس اذا بقي الحال على ما هو عليه الان فأن مجلس النواب القادم سيكون على شاكلة هذا المجلس بل اسوأ منه وسنعود الى دكتاتورية الاغلبية المزورة لارادة الشعب
اننا اذا اردنا تصحيح المسار الديموقراطي في العراق . وعدم تكرار التجربة القاسية السابقة وما صاحبها من انقسامات وازمات وحروب اهلية مستترة وعلنية ، فيتوجب اتخاذ الخطوات التالية : ء
_. انهاء التحالفات والتكتلات المذهبية والقومية والدخول بالانتخابات بقوائم على وفق مناهج عمل محددة تضم كل طوائف الشعب العراقي . حيث اثبتت التجربة فشل التحالفات والتخندقات الطائفية في ادارة الدولة وتسببت في انقسام المجتمع وحرضت على الاقتتال الداخلي الذي لازلنا نعاني منه
_. اعادة تشكيل مفوضية انتخابات مستقلة تماما عن الاحزاب الحاكمة . وحسبما ورد ذلك بنص صريح في الدستور _
_. اعداد قانون جديد للانتخابات يضمن التعددية والنزاهة _
_. تفعيل قانون الاحزاب وبالاخص ما يتعلق منه بميزانية وتمويل هذه الاحزاب _
_. توفير الحصانة الكافية للقضاء . وابعاد اي تأثير سياسي او اداري عليها _
_. الغاء كل اشكال الاستبعاد والاستثناء من الترشيح لاي سبب كان ومن اية جهة كانت
_ عدم السماح للمسلحين والميليشات بالتواجد في مقرات المراكز الانتخابية
_ معاقبة اي مسؤول في الدولة يحاول التأثير على اصوات الناخبين ، عن طريق منحهم عطايا او وعود وهمية
_ ضمان حيادية هيئة الاعلام ، وتوعية المواطنين بدل الايحاء لهم بتوجه انتخابي خاص لاي مرشح او كتلة او حزب
ان سوء تطبيق الديموقراطية في العراق ، والتلاعب باصوات الناخبين قد شوه المفهوم الديموقراطي عند الفرد العراقي . . وقد كان نموذجا سيئا للديموقراطية في الوطن العربي ، وفي العالم
ان على دول العالم المتمدن دراسة الظاهرة الديموقراطية في العراق وتقويمها ، ومن ثم الاشراف على اجراءاتها ونزاهتها . . كما ان الواجب الوطني يدعو كافة المثقفين ، والطبقة الواعية في المجتمع لنقد التجربة الديموقراطية نقدا بناء” وفضح كل اولئك الذين يحاولون حرفها او التأثير على نزاهتها ، لتفادي حصول كوارث اكثر مما شهدناه في المرحلة السابقة
ولنكون امة على قدر المسؤولية