22 ديسمبر، 2024 3:10 م

تمهيدا لأصلاح القضاء

تمهيدا لأصلاح القضاء

المنطق يقول انه لا يحق لنا ان نطالب فريق كرة قدم زمبابوي أن يفوز بكأس العالم ،كما انه لا يحق لنا ان نطالب جيش اوزبكستان بالهجوم على الجيش الامريكي وربح المعركة- كما لا يحق لنا ان نطالب القضاء العراقي ان يكون رائعا في بيئة سياسية فاشلة بدولة ينخر الفساد فيها حتى الجذور فنحن بهذا كمن يطالب مسلما في بيئة مسلمة ان يكون هندوسيا ،اوايزيديا في بيئة يسيطر عليها تنظيم الدولة ، والمثل العامي يقول ((نعل ابو الشي المايشبه اهلة)).عليه لا بد لنا ان نتوقع سلطة قضائية فاسدة في العراق ونتعامل مع هذا الواقع بهدوء ونعطي للقضاء الاعذار وليتخيل كل منا نفسه قاضيا ويريد ان يحكم مواطنا منتميا الى ميليشيا قوية قادرة على اخراج سجناء من سجن التاجي ووضع ضباط الشرطة محلهم في ضل نظام لم يتمكن ولن من احالة أي عنصر ميليشيا الى القضاء ،هل نتوقع من القضاء ان يحاكم ميليشيا ا وان يحاكم مسؤولا تسنده ميليشيا او حزب وأذا اراد ان يفعل ذلك الا يفكر بأن اعلى مركز في الدولة حوصر في المقدادية من لدن ميليشياتالفوضى التي هي نتاج ضعف الدولة وأجهزتها وفوضى الرعب عمرها  لم ولن تكون بيئة مناسبة لعمل اي قضاء في العالم وليس القضاء العراقي فقط..بل انا لو جئنا بعمر بن عبدالعزيز وعيناه قاضيا في عراق اليوم لما عدل وأن عدل سيعود الى مثواهكيف كان على القاضي ان يتصرف في زمن المالكي مثلا؟؟، وهل يشذ عن الجميع والمسؤول الاوحد هيمن على السلطات الثلاث وعلى المال والنار في البلد وعزل السلطة التشريعية ومنعها بقوة القضاء من حتى واجباتها الدستورية في اقتراح مسودات القوانين وحصر الامر به .ولا اقول بمجلس الوزراء كونه كان معطلا بسبب اصرار المالكي على عدم اصدار نظام داخلي للمجلس ليتصرف هو كما يشاءلتوضيح المعضلة اذكر مثلا وهو ان احد ضباط كلية الدفاع الوطني وحاصل على دكتوراه في علم الادارة يلقي محاضرة عن الحافز والدافع في السلوك ..دخلت القاعة وكنت رئيسا للهيئة التدريسية للكلية فقال لهم لاحظوا  ان حضور رئيس الهيئة يعد حافزا ودافعا لي ..لماذا ؟ لانه يقيمني وبالتالي ينقلني او يرقيني.او يعاقبني  وهذا ما كان واقع الامر بين المالكي والمحمود ومعه كل السلطات والهيئات (المستقلة).كان السيد المالكي يتدخل في كل صغيرة وكبيرة في القضاء عدا عندما يتعلق الموضوع بأعفاء احد خصومه السياسيين فيقول الموضوع متروك للقضاء ..والامثلة كثيرة مع الخصوم كالسيدان رحيم العكيلي وصباح الساعدي والسيدة مها الدوري ناهيكم عن السيدان الهاشمي والعلواني وغيرهم . لننتقل الى نقطة مهمة اخرى ، تتعلق بجوهر عنوان المقال (تمهيد) وهي ان هناك طفيليات دستورية اركبناها على اكتاف القضاء فأثقلته وحددت حركته واعتاشت كطفيليات على جسده المريض وهما هيئة المساءلة والعدالة وهيئة النزاهةولعل من يطلع على واجباتهما يجد انهما هيئتان قضائيتان وأن مهماتها تندرج في مهمات القضاء  رغم التزويق اللفظي الذي ساد قوانينها الهزيلة كأنعاش الذاكرة العراقية على جرائم حزب البعث ( لأن الذاكرة منتعشة عن جرائم الاحزاب الحاكمة الاخرى ومجرموها في مواقعهم ولا زالو يصرحون )وغير ذلك اذ يبقى الواجب الحقيقي نظريا هو الكشف وهذا هو واجب المواطنين والادعاء العام وديوان الرقابة المالية والاجهزة الامنية كالامن الاقتصادي وغيره خصوصا وانه والحمد لله لم يبق ما يحتاج الى كشف الا لبعض الجرائم البسيطة كجريمة ..عفوا كجنحة سقوط ثلث العراق ووجود 17 مليار دولار من اموال العراق داخل سرداب في بيروت، وسرقة كل معسكرات وقواعد الجيش الامريكي وتسفيرها الى جهة مجهولة والسونار والنقال ، .. وتفكيك اكبر مصفى في الشرق الاوسط (من قبل مندسين) وبيعه في مدينة الشعلة وغيرها حيث تساءل خبير نفطي مستغربا : كيف تمكنوا من تحريك رافعة 120 طن من المصفى الى مدينة الشعلة ببغداد ..عليه لم تبق حاجة لجهات كاشفة .الدليل على كلامي هو ان العراق يتفرد في هذا المجال وأن وجود هذين الطفيليين على جسد القضاء لم يؤد سوى ان نكون افسد البلدان في العالم وأقلها مسائلة ، فضلا عن انهما كانتا ولا زالتا افسد الدوائر ضمن جمهورية الفساد ولو كنت اعمل في ديوان الرقابة لاعلنت الميزانيات الضخمة التي سرقت من لدن كل الجهات ومنها بالطبع هاتين الجهتين ..ولو كنت قارئ فنجان لاعلنت حجم الرشاوى التي سلمت لهاتين المؤسستين….واذكر القارئ الكريم ان كل ذلك هو جزء من عنوان المقال وهو تمهيد لاصلاح القضاء وليس الاصلاح نفسه ولن يكن الاصلاح سهلا او طريقا قصيرا نختصره باستقالة فلان او تعيين فلان …انه ثورة شاملة معقدة ..انه يتطلب اجابة على سؤال حيوي وهو: من هي الجهة التي ستصلح الامر أذا كان الامر كما وصفه النائب مشعان الجبوري بقوله الكل فاسدون بلا استثناء وحتى انا واعترف اني تعاملت بالرشوة ، او قول الاستاذ حسن العلوي ((السياسيون في العراق ثلاثة انواع لا رابع لها الاول يسرق ويقتل والثاني يسرق ولا يقتل والثالث يقتل ولا يسرق)) فسأله مقدم البرنامج : الا يوجد نوع لا يسرق ولا يقتل ..اجابه..ابدا ، ولنتخيل انفسنا قضاة في ظل هذا الجو ..ولنتصور كيف ان الامر معقد وغير مسبوق فلا نخلة تتمكن من النمو في سيبريا ولا جهاز نظيف في بلد الفساد ..