بعد التغيير الذي حصل عام( 2003 )،واسقاط نظام صدام حسين طرحت عدة نظريات لشكل النظام الجديد لادارة الدولة العراقية.
الولايات المتحدة التي تعتقد انها صاحبت الفضل والقدح المعلى في عملية خلاص العراقيين من كابوس البعث وصدام.طرحت النموذج الياباني والتجربة التي قدمتها بهذا البلد بعد نهاية الحرب العالمية الثانية عام( 1945 )، حيث كتب الحاكم العسكري الامريكي (مارك آرثر ) الدستور الياباني ( مازال نافذ المفعول) ،سعت وبكل قوة لتكرار التجربة اليابانية بالعراق الذي يتمتع بعوامل كثيرة مشابهة اهمها وفرة الموارد البشرية والمادية .
بيد ان ضريبة هذه التجربة المتنعمة . هي فقدان الارادة السياسية مايجعل العراق بلد هامشي فاقد لمحوريته في الصراعات المستقبلية بمنطقة الشرق الاوسط( حيث لامحيص عن وقوع الصراع بوجود كيان غاصب لأرض تحظى بقدسية لدى العرب والمسلمين )،سارعت لتعيين الحاكم العسكري (جارنر) ليشرع بكتابة الدستور العراقي بفصال امريكي.
المرجعية العليا في النجف الاشرف كانت جدار الصد المنيع لهذا المشروع،فطالبت بأجراء انتخابات واستفتاء عام.
الولايات المتحدة بررت وجود مناطق ساخنة تمنع من تحقيق الاستفتاء العام.
المرجعية الدينية طرحت منطقة وسطى (الجمعية الوطنية) لحين اجراء الانتخابات وكتابة الدستور بأيادي العراقيين، فهم من لهم الحق بأختيار شكل النظام.
طرح المرجعية المنطقي وضع امريكا بحرج كبير ماجعلها ترضخ لخيار الجمعية الوطنية.
اُجريت الانتخابات عام (2005 )،فبرز حجم القوى السياسية وهويتها (فقد كانت الانتخابات طائفية بلا برامج سياسية، وبالاحرى بين الجلاد والضحية، فتجلت (اغلبية الضحايا) العرب الشيعة والاكراد على حساب العرب السنة، رغم انهم لم يشاركوا فعلياً بالانتخابات.
كُتب الدستورالعراقي الجديد بمشاركة الجميع بعد ان تم تمثيل العرب السنة حسب كثافتهم السكانية،(حيث مثلت البطاقة التموينية بعهد النظام السابق اساس قاعدة البيانات )، رغم عدم مشاركتهم بالتصويت حرصاً من الضحايا بعدم تكرار سياسات التهميش السابقة التي طالتهم على مدى ثمانون سنة! هو عمر الدولة العراقية، ولاظفاء الشرعية على مواد الدستور.
بعد كتابة الدستور وتوزيع مواقع الدولة العراقية. تصادمت النظريات في كيفية ادراة الدولة العراقية ، فحزب الدعوة بزعامة المالكي ومن خلال ادارته، يرى ان العراق بلد مركزي منذ زمن الدولة الاشورية، ويجب ان يخضع الجميع للادارة المركزية. وان تطلب ذلك الضغط على البعض لحرية الجميع.
غير ان تلك النظرية لاقت تحفظ من قبل بعض القوى الشيعية يقف في مقدمتها المجلس الاعلى الاسلامي الذي يؤمن بشراكة الجميع، وان لا امكانية لاي طرف ان يدير العراق بمفرده، بسبب( تأثير القوى الدولية والاقليمية، فضلاً عن فشل تجارب الدولة المركزية على مدى الثمانون سنة الماضية وهوعمر الدولة العراقية).متكئاً على نظريته التي طرحها منذ ثمانينيات القرن الماضي الادارة اللامركزية (الفدرالية) ،اضافة الى الرفض القاطع من قبل الكرد،الذين يخشون من اجترار تجربة دكتاتورية البعث وصدام،كذلك العرب السنة المشبعين بالنزعة القومية و لايهضمون بتلك السرعة فقدانهم دفء السلطة وامتيازاتها، فهم مع دولة مركزية يقودونها هم وليس غيرهم!.
لم يحصل سياسيي العرب السنة على مبتغاهم ، بسبب عقبة الديمقراطية التي يرتكز على اصوات الاكثرية لتحقيق المطالب وذلك شرط صعب المنال كونهم اقلية، فلجئوا الى تبني الافكار الثورية المتطرفة لاعادة عقارب الزمن ، في محاولة لابتزاز وتخويف وتركيع المكونات الاخرى، فتحولت مناطق خصومهم حسب تصنيفهم الى كتلة من النار مزقت اشلاء النساء والاطفال والشيوخ بلا رحمة وحولتها الى ركام في بعض الاحيان.
لم تُرضخ المفخخات والعبوات واحزمة المجرمين الناسفة ارادة الشعب العراقي في نيل حريته التي لابد ان يكون لها ثمن وهي دمائهم ، فأصروا على السير بطريق الحرية الى نهايته.
ولما فشلت كتل النار في تحقيق غايتهم لجئوا الى ساحات الاعتصام وطرح مطالب تنافي قوانين( العدالة الانتقالية) التي اقرتها مفوضية حقوق الانسان والامم المتحدة .منها رفض قانون المسائلة والعدالة وتجريم البعث والعفو العام غير المشروط ، او الاستعانة بـ ( داعش) وتسليم الارض، ومن ثم اسقاط العملية السياسية الجديدة ، وفرض خارطة سياسية جديدة .
وفي قصة من قصص (الف ليلة وليلة) انبلج الصباح وصحى العراقيون، فوجدوا معظم مدنهم بيد داعش يعيثون فيها فسادا ينتهكون الحرمات ويهلكون الحرث والنسل!.
اصيب الجميع بصدمة كبيرة، ولم يفيقوا الا على فتوى الامام السستاني (دام ظله) التي اوقفت العراق على قدميه وشدت ساعديه ليضرب قوى الارهاب ويكنسها من مدنه الواحدة تلو الاخرى، وسط تلاحم القوى الامنية ومجاهدي الحشد المقدس.
اليوم وبعد ان بان النصر وانكسر الارهاب يعود مسلسل الجحود والتنكر للتضحيات مثل كل مرة ، مايعني عدم وجود نوايا حقيقية للمكون العربي السني في التعايش مع الاخرين في عراق مركزي.
اذن فعلى جميع العراقيين من الشيعة والسنة والاكراد الراغبين بعراق موحد .ان يفكروا بواقعية ، لأيقاف نزيف الدم والمال العراقي. وليس امامهم سوى خيارين لشكل النظام السياسي . اذا ما عجزوا عن تنفيذ مشروع الفدرالية ذلك النظام الضامن لوحدة العراق.
اما خيار (النظام الملكي) او (ولاية الامام الفقيه) وماعدا ذلك فأننا سنظل داخل شرنقة لايمكن الخروج منها الا بعراقات ثلاث!!!.