العنف الثقافي : (هو مصطلح يعبر عن فرض رؤية حزب ما أو جماعة ما أو سلطة ما على مجتمع متنوع متعدد ويعتبر انتهاكا وتعديا وإنكارا وتجاهلا لشخصية الأخر ومتطلبات حياته مما يفضي إلى إثارة الغضب لدى الأخر فيبني على غضبه سلوك سلطوي عنيف يمارسه إتباع السلطة ومروجو ثقافتهم العنيفة ويضاعف شقة الخلاف والاختلاف بين الإطراف ويعمل على إخراس الأصوات وتحويل العلاقة التكافلية بين السلطة والمجتمع إلى علاقة متسلط ومسلوب )
أن – العنف الثقافي – تمارسه منظمات سياسية وفكرية ودينية وهو متزامن مع العنف المجتمعي والقتل والإرهاب الأعمى الذي غزا مجتمعاتنا في الوقت الحاضر وأول ما تقوم به تلك المنظمات الإرهابية هو – العنف الثقافي – عن طريق وسائل أعلامها المختلفة وقنواتها الفضائية الموجه التي تبث عبر شبكات التواصل الاجتماعي والفضائيات المختلفة محاولة فرض ثقافتها على الآخرين تحت شعار مظلومية قومية ما أو طائفة ما أو أقلية أو حزب .. الخ.
لا يخفى على الجميع أن للفكر الديني الدور الرئيسي في كل الانتصارات العسكرية التي حصلت عليها إسرائيل في ثلاث حروب متوالية في القرن العشرين , فالجندي الإسرائيلي مقاتل عقائدي مندفع في أرض المعركة دون خوف أو تراجع , وقد اخذوا الكثير من الأساليب القتالية من حروب المسلمين السابقة عندما كان حفظة القران وعلماء الدين لا يكتفون بالخطابة على المنابر بل يتقدمون الصفوف لتشجيع الجنود على القتال عكس ما يفعله الدواعش مغول العصر حاليا حينما يفجرون أنفسهم وسط جموع الأبرياء من أبناء جلدتهم في المساجد والأسواق والتجمعات العامة لكي يدخلوا الجنة المزعومة.
ويبقى صوت السلطة الغاشمة وقوتها العنيفة التي تهمش عقلية المثقف على وجه التحديد وتفرض فكرها الأحادي الجانب على شعوبها , له الدور الرئيسي في إشاعة ثقافة العنف والتهميش في المجتمع عموماً , أو تسيطر مجاميع إرهابية مسلحة على منطقة ما بعد غياب السلطة العادلة فيهمش فيها صوت المثقف وينفى أو يقتل أو يهاجر خارج بلده .
فكعكة السلطة دائماً لذيذة المذاق يرغب الجميع الحصول على قطعة ولو صغيرة منها , يطمع بها السياسيون والفاسدون والمضاربون في الأسواق والمنتفعون والقتلة والسا ديون والماسونيون . وإذا طغى هؤلاء وتفرعنوا يتصدى لهم الإعلاميون والناشطون المدنيون وأصحاب الكفاءات والفلاسفة , بأقلامهم وكتاباتهم التي تزلزل عروش الطغاة.
فحذار من المغالاة في الثقافة وكذلك الحذر من الفوضى لان المغالاة في الثقافة سواء كانت دينية أو قومية أو طائفية كالفوضى تؤدي إلى دمار مؤسسات الدولة بل الدولة برمتها عندئذ لا ينفع الندم.
فحرية المثقف حسب قول الفيلسوف التجريبي والمفكر السياسي البريطاني جون لوك ( 1704- 1632) : «هي ألا يتعرض المرء للتقييد والعنف من الآخرين». و المجتمع الثقافي الذي يعيش تحت ظاهرة – العنف الثقافي – يتخذ أفراده مفاهيم معادية تجاه البعض تكون على شكل عنف معنوي أو مادي ومنها : تشكيك المثقف بالآخر واتهامه باللاأخلاقية، ومحاولة التقليل من مشاريعه وإنجازاته والتشهير
به في سبيل طمس كل الحقائق مما يوقع البعض في مأزق الشخصنة التي تنحوا نحو الإقصاء والذي بدوره يؤدي إلى حالة من القلق تعتري المثقف وتسيطر على هويته الثقافية، بل وتفقده حالة الإبداع
وتمنع عنه البحث عن موروث أمته الثقافي بسبب الثقافة الطائفية التي يروج لها أعلام البعض . وقد ينتمي العنف الثقافي إلى عنف مغاير عن عنف الأفراد يتمثل في «عنف السلطة» الذي تمارسه السلطات الثقافية المتنفذة في الحكومة وترتكبه ضد المثقف، والمتمثل غالبا في وضع الخطوط الحمراء التي تحد من إبداع المثقف ومصادرة كلمته مما يخلق حالة من الرعب وزعزعة الثقة لدى الآخرين . من شأنه أن يقضي على كفاءته وفكره الوطني والقومي عندما يغادر الآخرون الوطن نحو الطائفية .
فعندما يكون لديك أكثر من (5) مليون يتيم و (2) مليون أرملة ونسبة فقر 30بالمائة ونسبة بطالة 48 بالمائة ومدارس طينية وجهل وتشرد ونزوح وتهجير وفساد لا حدود له وحكومة تتقاسم وزاراتها وشركاتها ودوائرها أحزاب يسيطر عليها المتدينون الجدد ليس من حقك النقد وإبداء الرأي فيها وإذا فعلت ذلك يقولون لك أنك علماني أو وجودي أو كافر والسبب هو أن التقوى في بلدي يقودها الفاسدون . فعلاً ((عندما يشب حريق في بيتك ويدعوك أحدهم للصلاة والتضرع إلى الله فاعلم أنها دعوة خائن .. الاهتمام بغير إطفاء الحريق والانصراف عنه إلى عمل آخر هو الاستحمار وإن كان عملا مقدساً(( كما قال المفكر الإيراني الراحل علي شريعتي( 1977- 1933) .
مدير حسابات أقدم / شركة نفط ميسان