22 ديسمبر، 2024 1:04 م

تقترنُ كلمةُ (الفراعنة) بملوكِ مصرَ القُدامى الذين حكمُوا الحضارةَ المصريةَ آنذاك لفتراتٍ متعاقبةٍ في سلسلةٍ وراثيةٍ معروفة ، ومن معتقداتِ هذه الطبقة الأرستقراطية التي أصلَّت جذروها في بُنى المجتمع العقدية حيث الناسُ على دينِ ملوكـــــــــــــــــــهم ، وانسجامًا مع الرغبة في بقائهم مع المال إلى أبد الآبدين أمروا مَن كان في خدمتِهم من الرعيّةِ أن يقوموا بدفن كنوزِ الذهب والفضّةِ معهم حين موتهم ولِتكُنْ سنةً متوارثة ، فالغنيُّ ينبغي أن يبقى غنيًا حتى بعد الموتِ ولا يعرفُ للحرمانِ طعمًا ، أما الفقراءُ فلا فرصةَ تُمنحُ لهم أن يأخذوا استحقاقَهم في الانضمام إلى عالم الكنوز ؛ لأن الغِنى لايناسبُ أجسادَهم الباليةَ النحيفة ، خوفًا عليهم أن يزدادوا بلاءً بسبب حِمْيةِ الثراءِ المفاجيء ، ولأن الشقاءَ توأمُ الفقرِ بحسب ما ورد في معجمِ البؤساء ، وقد آن لهذه الأساطيرِ أن تأخذَ دورها بالاهتمام والظهور اليوم بعد إصابةِ مَن عثر على مقبرة الملوك بأمراضٍ وأحداث غريبةٍ في نفس يوم حفل افتتاح المقبرة المكتنزة ، ثم تفاقمتِ الأمورُ بعد ذلك لتشملَ جميعَ مَن شارك بالعثور على المقبرةِ أو أخذ من كنوزها، فلعنةُ الفراعنة وفقًا لمجرياتِ هذه الأسطورة أخذت دورها بملاحقةِ كلِّ من حاول الإساءة إلى تراثها العاجي هكذا هي قصة الأسطورة في خلاصتها .ويبدو أن (فراعنة العصر) من سياسيِّ المال والدنيا وأسميهم  بـ( السياسيين اللاوطنيين) الذين آثروا مصالحهم الشخصية والفئوية الضيقة على رفاه شعبهم الذي أوجدهم بعد أن لم يكونوا ذا قدر ، متخذين مال الله دولا بينهم ، هؤلاء لهم ( لعنة ) أيضًا أُسوةً بنظرائهم المتهالكين في سالف الزمن ، لكنها لعنةٌ عكسيةٌ من نمطٍ مختلف ، فهذا الصنفُ من السياسيين الذين انتخبهم الشعب وأعطى ما أعطى وضحّى بمن ضحَّى لأجل أن يحظَى بقسطٍ قليلٍ مما تنعمُ به الشعوب في بلدانٍ مجاورةٍ ، وبعد أن أوصلهم إلى مراتبَ من الامتيازات تحت فوهات البنادق وصرخات الثكالى وعويل الأيتام أداروا ظهورهم لذلك الشعب جزاءً لهم وليس في الأمر غرابة ؛ إذ لمفهوم ( الإحسان ) في أذهان هؤلاء جزاءٌ آخر هو من إبداعات عالم ( الفراعنة ) ، واستمرارًا مع مسرحية ( الوعود المكذوبة ) و تحيُّلاً على هذا الشعب الذي أحسن الظن بهم في فرصةٍ لردّ الجميل تمَّتْ عملية الاغتيال لأحلامهم الفتيّة ، فبعد أرقام الموازنة الانفجارية التي تكفي لسد مجاعة شعوب جنوب أفريقيا استيقظ مَن كان في تهويمةٍ بين الصدق والكذب وبين الحقيقة والخيال مُيتمًا بأهداب صور المستقبل المفعم بألوان الطيف على أصواتِ طبولِ أسواق النفط لتعلن وجهًا لوجه دون مواربةٍ أو حياء أفلاسَ خزينةَ الأمراء ، وأنّها للأسف الشديد لم تعُد تكفي لدفع رواتبهم المتخمة بالزيادة يومًا بعد يوم وليس بمقدورها أيضًا بعد ذلك أن تسدَّ ديونَ رحلاتِ الاستجمام لعوائِلهم نتيجةَ عطلِ الفصول التشريعية المتكررة لبرلمانهم ذات النزعة العصابية ، هذا الصنف من فراعنة العصر مميزون في كلِّ شيء حتى في لعنتهم لشعوبهم،فإذا كانت الفراعنةُ بدءًا بـ( توت عنخ آمون ) تعطي نفسها الحق بلعنِ مَن تطاول على تراثها أو حاول مصادرةِ حقوقها خارج أسوار الاهرامات فأيّ حقٍّ لفراعنة العصر في لعن مَن أجلسها تحت قبة البرلمان ، و أجلسها بين الذهب والمرجان ، يا لها من لعنةٍ معكوسة ؟ فهل جزاءُ الإحسان إلا الإحسان ؟ وإذا كانت لعنة القدماء قد سببّت بعضَ الدوار هنا وهناك أو بعض العقد النفسية لملعونيها ، فإن لعنة هؤلاء قد أطبقت على أنفاسنا و أخذت منا الأعزة والأحبة وأرجعتنا إلى المربع الأول وكأننا في رحلةٍ من الحاضر إلى الماضي و ليس من الحاضر إلى المستقبل ، وعلى الرغم من كلِّ هذا فالأمل معقودٌ بالله أولا وبمَن أحبَّ وطنه ثانياً فمهما جرى وسيجري فلن تبقى الحكايةُ على ما هي عليها ، فإنما أصابت لعنةُ القدماء ملعونيها لأن ذاك باستحقاقٍ بعد التعدِّي على محظوراتها ، أما أن تصيبنا لعنةُ هؤلاء لأننا أخطأنا الحقيقةَ فقد حصل ، لكن أن يستمرَ الحالُ على ما هو عليه وتبقى لعنةُ الفراعنةِ تلاحقُنا بآثارها ونتائجها السابقة فهذا متوقفٌ على مدى وعيِنا لمسألةٍ غايةً في الأهمية وهي أن مَن لاينتمي لهذا الوطن ولايضحِّي لبناء هذا الوطن ولايقدِّمُ مصلحة هذا الوطن أولاً وآخرًا يجب أن يُرمى خارج أسوار الوطن ، وإلا فإن اللعنةَ ستعقدُ صفقتَها معنا تحت إمضاء القدر ويُضمُ إليها ( لعنةَ الله والناسِ أجمعين ) لأن العراقَ بلدُ الأنبياء والأولياء والصالحين .