بنظرة سطحية عابرة لا تحتاج إلى عمق أو تحليل فإن المتتبع لواقع العراق بعد عملية التغيير السياسي التي حصلت فيه على يد قوات الإحتلال الأميركي مطلع عام 2003 يجد أن هناك نتيجتين رئيسيتين أفرزهم هذا الواقع ,الأولى هي فتح الباب على مصراعيه لإيران للتحكم بالمشهد السياسي و العسكري والأمني و الحوزوي و بشكل علني وواضح وصريح دون أن تتخذ أميركا أي إجراء لمنع أو الحد من هذا التدخل الذي بدأ يزداد شيئا فشيئا مع الزمن ليبلغ ذروته من خلال فتوى السيستاني بالجهاد و تشكيل الحشد اللذين أصبحا الغطاء و العنوان الذي تتحرك من خلاله إيران و مليشياتها . و النتيجة الثانية هي أن المكون المتضرر من نتائج عملية التغيير سواء في عهد الإحتلال أو حكومتي المالكي و العبادي هو المكون السني على المستوى البشري أو العمراني أو الخدمي .و بالرغم من ما يطرح في الإعلام من وجود صراع و خلاف أميركي – إيراني تقليدي إلا أن هذا الخلاف و الصراع من الناحية العملية و الميدانية لا وجود له على الأرض أو على الأقل فإنه يذوب و يتلاشى و يتحول إلى توافقات و مصالح مشتركة تجاه المكون السني في العراق و الأدلة على ذلك كثيرة و منها على سبيل المثال لا الحصر هو وكما معلوم فإن السيطرة على الأرض هي لمليشيات الحشد الخاضعة كليا لإيران و التي انحسر مع وجودها دور المؤسسة العسكرية المتمثلة بالجيش و التي هي الأخرى لم تسلم من الهيمنة الإيرانية من خلال الحكومة العراقية الخاضعة لإيران بنفس خضوع مليشيات الحشد و بالرغم مما حصل من تطهير لبعض المناطق ذات الأغلبية السنية من سيطرة تنظيم داعش الإرهابي التكفيري كما في ديالى و جرف الصخر إلا أنه و لغاية هذا الوقت لم يتم إعادة العوائل النازحة إليها كذلك فإنها شهدت عمليات تدمير للبنى التحتية و الفوقية و المنشآت الحكومية على يد المليشيات المسلحة و ذلك يحصل بشكل يومي و موثق و أمام أنظار أميركا و تحالفها الستيني لكنها لم تتخذ أي إجراء رادع تجاه إيران و مليشياتها لحماية المكون السني و مدنه لا على المستوى العسكري من خلال تحالفها و لا على المستوى السياسي من خلال مظلة الجمعية العامة للأمم المتحدة .و يبدو أن هذا التوافق في السياسة بين إيران و أميركا تجاه المكون السني و محاولة إذلاله لم تأت من فراغ بل لها جذورها التأريخية فإيران تنظر لسنة العراق على إنهم العدو الأول الذي خاضت معه حرب الثمان سنوات خلال حكم نظام صدام السابق الذي تنظر إليه إيران على إنه نظام سياسي سني , أما بالنسبة لأميركا فهي الأخرى تنظر لما تعرضت له في الفلوجة و الرمادي و تكريت و الموصل و ديالى وأطراف بغداد من خسائر على يد المقاومين لتواجدها في تلك المناطق ذات المكون السني . من هذا المشهد يبدو أن إيران و أميركا تعيشان مرحلة الثأر و الإنتقام من سنة العراق و محاولة إذلالهم كعقاب على سوابق تأريخية . واليوم تقع المؤسسة العسكرية العراقية المتمثلة بالجيش أمام اختبار إثبات الإستقلالية خصوصا بعد ما أشير إليه في الإعلام من أن عمليات تحرير الرمادي الجارية حاليا تجري على يد الجيش و أبناء العشائر و لا وجود لمليشيات الحشد في عملية التحرير مما يعني وفق الحسابات العسكرية و بعد الأخذ بنظر الاعتبار مدة العمليات العسكرية و مدة تطهير الأرض من مخلفات الحرب و مسك الأرض و تأمينها والتي تتطلب أسابيع معدودة فانه من المفترض عودة سكان تلك المناطق النازحين إلى مناطقهم بعكس ما حصل في المناطق التي يسمك الأرض فيها مليشيات الحشد و التي لحد الآن لم يتم إعادة أي نازح لها بل إنها خضعت لعملية تدمير للبنى و عملية تغيير ديموغرافي للتركيبة السكانية على أساس مذهبي .