سمعنا إن بعض العراقيين قد بلغت ثرواتهم حدا غير معقول بحيث إنهم باتوا يمتلكون قللا أو عمارات أو مجمعات وأسواق في لندن أو الإمارات أو عمان اوغيرها من المدن التي ترحب بالأثرياء ، وهو أمرا غاية في المعقولية لان الاحتفاظ بالمال في الداخل العراقي غاية في المخاطرة وغير مأمون من جهة المحافظة عليه من السرقة وتعرضه لمعدلات التضخم أو خضوعه لمبدأ من أين لك هذا عندما تستيقظ العقول والضمائر النائمة وتطبقه بشكل موضوعي وقانوني في يوم من الأيام ، ولكن ما هو غير المعقول أن يتم غلق شوارع خططت لتكون في خدمة العراق وتم تنفيذها من المال العام واستخدمت لسنين عديدة للمواطنين بانسيابية عالية ثم يأتي وزير أو مسؤول ليضعها تحت تصرفه ووزارته دون غيرهم حارما بذلك المستهدفين الحقيقيين من استخدامها ، ولم يصل الحد عند الغلق فحسب وإنما يتم إنشاء مشيدات للقطع والحرمان كالبوابات أو أبنية الحراسات ، ومن الغريب أن تتم مثل هذه التجاوزات أمام مرآى ومسمع السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية ، والأكثر من هذا إن منتسبي وقيادات هذه السلطات غير مسموح لهم بالمرور عبر هذه التجاوزات إلا بموافقة الوزير أو ( بلطجيته ) الذين يحرسون تلك الشوارع لمنع المرور عليها ، وكأنها ملكية خاصة للوزراء التي ورثوها دون أن يدفعوا عنها ضريبة التركات وسجلت باسمهم خلال مدة الاستيزار .
ولان الأمثلة كثيرة حول هذه الظاهرة الغريبة التي تستمر رغم وعود السيد رئيس الوزراء بإزالة القطوعات وفتح الطرق والممرات التي انتهت بفتح الجسر المعلق لساعات ، فإننا سنخص بالذكر هنا ذلك التجاوز الحكومي الواضح للعيان والمتعلق بغلق جزءا مهما وحيويا من شارع محمد القاسم في الجزء المحاذي لموقع وزارة المالية ، إذ تقع بناية وزارة المالية في منطقة الصرافية المقابلة للوزيرية وموقعها يحاذي المجسر الذي تمر منه وسائط النقل للربط مع طريق محمد القاسم السريع الذي يخدم أكثر مناطق بغداد في الرصافة ، ويحتوي على تفرعات تسهل التنقل والمرور إلى جهة الكرخ ولكافة الاتجاهات وهو من المشاريع المهمة التي نفذت بالأموال العراقية في ثمانينات القرن الماضي ، ومنذ افتتاح الشارع ومقترباته ومجسراته فانه يعمل بشكل كفوء وقد خفف اعباءا عند التنقل لأجزاء مهمة من بغداد ، وعندما تولي السيد باقر الزبيدي مهام وزير المالية تعرض مبنى الوزارة إلى اعتداءات من خلال العبوات الناسفة والمفخخات ، وبدلا من أن تأخذ الأجهزة الأمنية الحيطة والحذر وتفرض رقابتها على المجرمين فقد تراخت بحيث إن مركبة نقل ( لوري ) فجرت كميات كبيرة عند مرورها من اقرب منطقة محاذية للوزارة من فوق المجسر ، وكانت حادثة أليمة ومحزنة بالفعل لأنها أحدثت أضرارا بشرية ومادية وقد سلم منها الوزير لأنهم يقولون انه لا يتواجد في الوزارة أصلا .
وبعد أن سجلت الحادثة ضد القاعدة وأزلام النظام كما هو متعارف عليه منذ عدة سنوات ، فقد تم غلق الشارع لأغراض الصيانة ولإتاحة الفرصة لأعمار بناية وزارة المالية ، وكما يقول المثل الشعبي ( ذاك يوم وهذا يوم ) إذ استمر الغلق من يوم الحادث حتى يومنا هذا رغم مرور أكثر من سبع سنوات على الحادث اللئيم وإكمال اعمار الشارع وبناية الوزارة بعد أشهر على بدأ الترميم لان المالية صاحبة المال ، ولم يتم فتح الشارع رغم إن وزارة المالية انتقلت إلى موقع آخر وتعرضت إلى عدة انفجارات أخرى ، وكنا نعتقد إن الوزير ( باقر الزبيري ) هو من كان يمنع عودة افتتاح الشارع ولكن مجيء الوزر الجديد عقد الموقف فعلا ، فبعد أن كان الشارع يفتح بعد الساعة 3 ب.ظ أي بعد خروج موظفي الوزارة ، فان الشارع أغلق بالكامل بعد استلام الدكتور رافع العيساوي مهام وزير المالية والذي ( بفضله) جعل الغلق على مدار 24 ساعة يوميا وإلغاء الاستثناءات للحالات الطارئة ، وبعد إن خرج العيساوي إلى جهة مجهولة وتكليف الصافي للقيام بأعماله استمر الحال على ما هو عليه وبقي الشارع مغلقا بالكامل ، وقد استبشر الناس خيرا بمجيء السيد هوشيار زيباري وزيرا للمالية باعتباره على درجة من الوعي ويتفهم الأمور ، ولكنه عمل ما لم يفعله أسلافه إذ وضع متاريس وموانع تعطي إشارات واضحة وصريحة إن هذا الشارع سيبقى مغلوقا إلى يوم يبعثون .
وقطع الشارع منذ أكثر من سبع سنوات ليست مسألة جمالية وتتعلق بالذوق العام فحسب ، بل إنها مسالة حياتية يومية وترتبط بأوقات ومصالح الناس ، فالطريق المسموح بسلكه لتجاوز قطع موقع وزارة المالية هو الدوران عبر منطقة الوزيرية والدخول بممرات فرعية تسبب ازدحامات شديدة جدا وتعرض مستخدمي الطريق إلى مخاطر عديدة عند الدخول للطريق السريع ، وتقع يوميا العديد من الحوادث والاختناقات المرورية رغم تواجد رجال المرور لتنظيم السير منذ الصباح الباكر وحتى ساعات متأخرة من الليل ، وان هذا الوضع يجب أن لا يستمر وإذا كانت وزارة المالية تستشعر الخطر من تواجدها بهذا المكان ، فبإمكان المسؤولين فيها البحث عن مكان بديل يوفر لهم الأمان ، فإخضاع الطريق إلى الغلق التام وعلى حساب مصالح وأملاك وأوقات وأرواح الناس يعد أمرا مرفوضا جدا ولا نعلم كيف تم السكوت عنه طيلة هذه السنين ، إذ كان من المفترض أن تتم تدارس وتدارك هذا الموضوع من قبل الأجهزة الأمنية المعنية والمرور العامة بما يكفل حماية الوزارة ومنتسبيها وتسهيل حركة المواطنين ، ونعتقد إن أول من يجب أن يبادر لإيجاد حلولا لهذه المشكلة هو وزير المالية باعتباره المؤتمن على أموال الشعب ، فبقاء الوضع على ما هو عليه هو انتهاك للحريات والحقوق وهدر للمال العام ، ونسال من لديه ضمير لو كان صاحب ( بسطية ) قد تجاوز لمترين على أطراف الشارع لغرض توفير لقمة العيش له ولعائلته فهل كنتم تسكتون عليه لسبع سنين وأكثر ؟! .